واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ، فاتخذت من دونهم حجابا . فأرسلنا إليها روحنا ، فتمثل لها بشرا سويا . قالت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا . قال : إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا . قالت : أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ? قال : كذلك قال ربك هو علي هين ، ولنجعله آية للناس ورحمة منا . . وكان أمرا مقضيا . .
فهذا هو المشهد الأول - فتاة عذراء . قديسة ، وهبتها أمها وهي في بطنها لخدمة المعبد . لا يعرف عنها أحد إلا الطهر والعفة حتى لتنسب إلى هارون أبي سدنة المعبد الإسرائيلي المتطهرين - ولا يعرف عن أسرتها إلا الطيبة والصلاح من قديم .
ها هي ذي تخلو إلى نفسها لشأن من شؤونها التي تقتضي التواري من أهلها والاحتجاب عن أنظارهم . . ولا يحدد السياق هذا الشأن ، ربما لأنه شأن خاص جدا من خصوصيات الفتاة . .
لما ذكر تعالى قصة زكريا ، عليه السلام ، وأنه أوجد منه ، في حال كبره وعقم زوجته ، ولدًا زكيًّا طاهرًا مباركًا - عطف بذكر قصة مريم في إيجاده ولدها عيسى ، عليهما{[18718]} السلام ، منها من غير أب ، فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة{[18719]} ؛ ولهذا ذكرهما في آل عمران وهاهنا وفي سورة الأنبياء ، يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما في المعنى ، ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه ، وأنه على ما يشاء قادر{[18720]} ، فقال : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ } وهي مريم بنت عمران ، من سلالة داود ، عليه السلام ، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل . وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمّها لها في " آل عمران " ، وأنها نذرتها محررة ، أي : تخدم{[18721]} مسجد بيت المقدس ، وكانوا يتقربون بذلك ، { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } [ آل عمران : 37 ] ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة ، فكانت{[18722]} إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة{[18723]} والتبتل والدءوب ، وكانت في كفالة زوج أختها - وقيل : خالتها - زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم ، الذي يرجعون إليه في دينهم . ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 37 ] فذكر أنه كان يجد عندها ثمر{[18724]} الشتاء في الصيف وثمر{[18725]} الصيف في الشتاء ، كما تقدم بيانه في " آل عمران " . فلما أراد الله تعالى - وله الحكمة والحجة البالغة - أن يُوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام ، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام ، { انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا } أي : اعتزلتهم وتنحت عنهم ، وذهبت إلى شرق المسجد المقدس .
قال السدي : لحيض أصابها . وقيل لغير ذلك . قال أبو كُدَيْنَة ، عن قابوس بن أبي ظِبْيان ، عن أبيه عن ابن عباس قال : إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه ، وما صرفهم عنه إلا قيل ربك : { انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا } قال : خرجت مريم مكانًا شرقيًّا ، فصلوا قبل مطلع الشمس . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .
وقال ابن جرير أيضًا : حدثنا إسحاق بن شاهين ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عامر ، عن ابن عباس قال : إني لأعلم خلق الله لأي شيء اتخذت النصارى المشرق قبلة ؛ لقول الله تعالى{[18726]} { انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا } واتخذوا{[18727]} ميلاد عيسى قبلة{[18728]}
وقال قتادة : { مَكَانًا شَرْقِيًّا } شاسعًا متنحيًّا .
وقال محمد بن إسحاق : ذهبت بقلتها تستقي [ من ]{[18729]} الماء .
وقال نَوْف البِكَالي : اتخذت لها منزلا تتعبد فيه . فالله{[18730]} أعلم .
هذه ابتداء قصة ليست من الأولى ، والخطاب لمحمد عليه السلام . و { الكتاب } القرآن ، و { مريم } هي بنت عمران أم عيسى اخت أم يحيى واختلف الناس لم { انتبذت } والانتباذ التنحي . فقال السدي { انتبذت } لتطهر من حيض ، وقال غيره لتعبد الله وهذا أحسن ، وذلك أن مريم كانت وقفاً على سدانة المتعبد وخدمته والعبادة فيه فتنحت من الناس لذلك . وقوله { شرقياً } يريد في جهة الشرق من مساكن أهلها ، وسبب كونه في الشرق أنهم كانوا يعظمون جهة المشرق ومن حيث تطلق الأنوار ، وكانت الجهات الشرقية من كل شيء أفضل من سواها ، حكاه الطبري ، وحكي عن ابن عباس أنه قال إني لأعلم الناس لم اتخذ النصارى المشرق قبلة ؟ لقول الله عز وجل { إذا انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً } فاتخذوا ميلاد عيسى قبلة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{واذكر} لأهل مكة، {في الكتاب مريم}، يعني: في القرآن ابنة عمران... {إذ انتبذت}، يعني: إذ انفردت، {من أهلها مكانا شرقيا}، فجلست في المشرقة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في كتاب الله الذي أنزله عليك بالحقّ مريم ابنة عمران، حين اعتزلت من أهلها، وانفردت عنهم... والنّبذ: الطّرْح...
وقوله:"مَكانا شَرْقِيّا" يقول: فتنحت واعتزلت من أهلها في موضع قِبَلَ مَشرق الشمس دون مَغربها... وقيل: إنها إنما صارت بمكان يلي مشرق الشمس، لأن ما يلي المشرق عندهم كان خيرا مما يلي المغرب، وكذلك ذلك فيما ذُكر عند العرب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي نحو المشرق. ثم يحتمل قوله: {إذ انتبذت من أهلها} إذا بلغت مبلغ النساء، فارقت أهلها، وانتبذت منهم لئلا يقع بصر غير ذي الرحم عليها، وألا يراها أحد، لا يحل له النظر إليها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"واذكر في الكتاب مريم" والذكر: إدراك النفس للمعنى بحضوره في القلب، والإذكار: إحضار النفس المعنى، وقد يكون الذكر قولا يحضر المعنى للنفس، والمراد بالكتاب -ههنا- القرآن وإنما سمي كتابا، لأنه مما يكتب...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
اعتزلت عنهم لتحصيلٍ يطهرها، فاستترت عن أبصارهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والانتباذ: الاعتزال والانفراد، تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس، أو من دارها معتزلة عن الناس.
... {إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} معناه تباعدت وانفردت على سرعة إلى مكان يلي ناحية الشرق، ثم بين تعالى أنها مع ذلك اتخذت من دون أهلها حجابا مستورا وظاهر ذلك أنها لم تقتصر على أن انفردت إلى موضع بل جعلت بينها وبينهم حائلا من حائط أو غيره، ويحتمل أنها جعلت بين نفسها وبينهم سترا وهذا الوجه الثاني أظهر من الأول، ثم لا بد من احتجابها من أن يكون لغرض صحيح وليس مذكورا...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر قصة زكريا وطلبه الولد وإجابة الله إياه فولد له من شيخ فان وعجوز له عاقر وكان ذلك مما يتعجب منه، أردفه بما هو أعظم في الغرابة والعجب وهو وجود ولد من غير ذكر، فدل ذلك على عظم قدرة الله وحكمته، وأيضاً فقص عليهم ما سألوه من قصة أهل الكهف وأتبع ذلك بقصة الخضر وموسى، ثم قص عليهم ما سألوه أيضاً وهو قصة ذي القرنين، فذكر في هذه السورة قصصاً لم يسألوه عنها وفيها غرابة، ثم أتبع ذلك بقصة إبراهيم وموسى وهارون موجزة، ثم بقصة إسماعيل وإدريس ليستقر في أذهانهم أنه أطلع نبيه على ما سألوه وعلى ما لم يسألوه، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام وحيه في ذلك واحد يدل على صدقه وصحة رسالته من أمي لم يقرأ الكتب ولا رحل ولا خالط من له علم ولا عنى بجمع سير...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت قصة عيسى عليه السلام أغرب، أشار إلى ذلك بتغيير السياق فقال عاطفاً على ما تقديره: اذكر هذا لهم: {واذكر} -بلفظ الأمر {في الكتاب مريم} ابنة عمران خالة يحيى- كما في الصحيح من حديث أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة الأنصاري رضي الله عنهما في حديث الإسراء:"فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة" ثم أبدل من {مريم} بدل اشتمال قوله: {إذ} أي اذكر ما اتفق لها حين {انتبذت} أي كلفت نفسها أن اعتزلت وانفردت {من أهلها} حالة {مكاناً شرقياً} عن مكانهم، فكان انفرادها في جهة مطالع الأنوار إشارة إلى ما يأتيها من الروح الإلهي...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
لما ذكر قصة زكريا ويحيى، وكانت من الآيات العجيبة، انتقل منها إلى ما هو أعجب منها، تدريجا من الأدنى إلى الأعلى فقال: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ ْ} الكريم {مَرْيَمَ ْ} عليها السلام، وهذا من أعظم فضائلها، أن تذكر في الكتاب العظيم، الذي يتلوه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، تذكر فيه بأحسن الذكر، وأفضل الثناء، جزاء لعملها الفاضل، وسعيها الكامل، أي: واذكر في الكتاب مريم، في حالها الحسنة، حين {انْتَبَذَتْ ْ} أي: تباعدت عن أهلها {مَكَانًا شَرْقِيًّا ْ} أي: مما يلي الشرق عنهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فهذا هو المشهد الأول -فتاة عذراء. قديسة، وهبتها أمها وهي في بطنها لخدمة المعبد. لا يعرف عنها أحد إلا الطهر والعفة حتى لتنسب إلى هارون أبي سدنة المعبد الإسرائيلي المتطهرين- ولا يعرف عن أسرتها إلا الطيبة والصلاح من قديم. ها هي ذي تخلو إلى نفسها لشأن من شؤونها التي تقتضي التواري من أهلها والاحتجاب عن أنظارهم.. ولا يحدد السياق هذا الشأن، ربما لأنه شأن خاص جدا من خصوصيات الفتاة..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف القصة على القصة فلا يراعى حُسن اتّحاد الجملتين في الخبرية والإنشائية، على أن ذلك الاتحاد ليس بملتزم. على أنك علمت أن الأحسن أن يكون قوله {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} مصدراً وقع بدلاً من فعله. والمراد بالذكر: التّلاوة، أي اتل خبر مريم الذي نقصّه عليك. وفي افتتاح القصة بهذا زيادة اهتمام بها وتشويق للسامع أن يتعرفها ويتدبرها. والكتاب: القرآن، لأنّ هذه القصة من جملة القرآن. وقد اختصت هذه السورة بزيادة كلمة {في الكتاب} بعد كلمة {واذكر}. وفائدة ذلك التنبيه إلى أن ذكر من أمر بذكرهم كائن بآيات القرآن وليس مجرد ذكر فضله في كلام آخر من قول النبي صلى الله عليه وسلم كقوله:"لو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي". ولم يأت مثل هذه الجملة في سورة أخرى لأنه قد حصل علم المراد في هذه السورة فعلم أنه المراد في بقية الآيات التي جاء فيها لفظ {اذكر}. ولعل سورة مريم هي أول سورة أتى فيها لفظ {واذكرْ} في قصص الأنبياء فإنها السورة الرابعة والأربعون في عدد نزول السور...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
إن العصر الذي قارب عيسى هو عصر الإيمان بالأسباب والمسببات العادية حتى ادعى أن الكون نشأ من منشئه على نظام: العلة والمعلول. وإذا كانت تلك سمة هذا العصر فكان عصر الخوارق المبطلة لذلك التفكير الضال، وقلنا إن يحيى كان حمله خارقا للعادة، لأنه كان من أب بلغ من الكبر غيبا وأم كانت عاقرا لا تنجب. وعيسى كان من غير أب، بل سبق ذلك خوارق أخرى في الحمل بأمه،...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وتحدث كتاب الله عن هذه القصة حديثا ينفي عن مريم العذراء مزاعم اليهود الخبيثة، التي بلغت الغاية في اللؤم والتحقير، والقذف والتشهير، كما ينفي عن ابنها عيسى المسيح مزاعم النصارى الطائشة، التي بلغت الغاية في الغلو والإطراء، والتطوح مع الشهوات والأهواء،...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهذه قصة أخرى في أجواء المعجزة الإلهية، وهي تختلف عن قصة زكريا في أنها تتحدى المألوف في عملية الخلق، ذلك أن الخليقة بدأت بحفنة من طين نفخ الله فيها من روحه فكان آدم، وكانت حواء، دون أب أو أم، ثم كان التوالد على أساس التقاء الرجل والمرأة ليكون الإنسان نتيجة هذا اللقاء الزوجي. واستمرت البشرية في هذا الخط حتى أصبح القاعدة التي تحكم التصور كما تحكم الواقع. وجاءت قصة ولادة مريمب عليها السلام لعيسى عليه السلام لتخرق هذا القانون الطبيعي بقوة، ولتعرف البشرية مخلوقاً ولد من أم دون أب، ولتفرض ولادته تصوراً جديداً في أجواء العقيدة، من خلال التعمُّق في فهم سر قدرة الله في عملية الإيجاد المتنوع في كل مظاهره الدالة على وحدانية الله وقدرته، حيث لا تمنع إلفة الوضع الطبيعي للتناسل من التفكير الدقيق في إعجاز الأساس الذي أودع في لقاء النطفة بالبويضة سر الحياة التي ينشأ عنها الإنسان. وبذلك لا يكون في إعجاز الخلق فرق، بين خلق آدم وخلق عيسى، وخلق الناس بالطريقة العادية، بل كل ما هناك أننا ألِفْنَا المعجزة في بعض صورها، ولم نألفها في البعض الآخر. وقد جعل الله السيدة العذراء مريم (عليها السلام) عنوان القصة، لأن حركة الخلق انطلقت منها ومعها، وحملت أكثر الملامح اتصالاً بها، من حيث المضمون والموقف، ومن حيث الإيحاءات الروحية في مسألة تقديم النموذج الأمثل للمرأة من خلال الإنسانة المؤمنة التي يتحول ضعفها الأنثوي بفضل الإيمان والرعاية الإلهية إلى عنصر قوة وثبات. {وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ مَرْيَمَ} الفتاة العذراء الطاهرة التي عاشت أجواء خدمة الله في بيته، فتعمق إحساسها الإيماني وطهارة فكرها وروحها وشعورها، لما يتفايض من أجواء المعبد على كيان الإنسان المؤمن المتعبِّد من طهارة، وها هي تبرز في موقف جديد لم تختره بإرادتها، ولكنها تحركت نحوه بطريقة تلقائية لاشعورية، {إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً} تماماً كما تخرج أي فتاة لتخلو بنفسها لغرض التأمل أو العبادة أو ممارسة أي نشاط خاص بشكل طبيعي لم يثر انتباه أحد، كما توحي أجواء الآية...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بعد ذكر قصّة يحيى (عليه السلام)، حولت الآيات مجرى الحديث إلى قصّة عيسى (عليه السلام) لوجود علاقة قوية وتقارب واضح جداً بين مجريات هاتين الحادثتين. فإِنّ كانت ولادة يحيى من أب كبير طاعن في السن وأم عقيم عجيبة، فإِن ولادة عيسى من أم دون أب أعجب! وإِن كان الوصول إلى مقام النّبوة وبلوغ العقل الكامل في مرحلة الطفولة باعثاً على الحيرة ومعجزاً، فإِنّ التحدث في المهد عن الكتاب والنّبوة أبعث على التعجب والحيرة، وأكثر إِعجازاً. وعلى كل حال، فإِنّ كلا الأمرين آيتان على قدرة الله الكبير المتعال، إِحداهما أكبر من الأُخرى، وقد صادف أن تكون كلا الآيتين مرتبطتان بشخصين تربطهما أواصر نسب قوية، فكل منهما قريب للآخر من ناحية النسب، حيث أن أم يحيى كانت أخت أم مريم...