فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانٗا شَرۡقِيّٗا} (16)

{ واذكر في الكتاب مريم } هذا شروع في ابتداء خلق عيسى ، والمراد بالكتاب هذه السورة : أي اذكر يا محمد للناس في هذه السورة قصة مريم وخبرها ونبأها ؛ أو المراد به جنس القرآن وهذه السورة منه { إذ انتبذت } النبذ الطرح والرمي . قال تعالى : { فنبذوه وراء ظهورهم } ، والمعنى أنها تنحت وتباعدت . وقال ابن قتيبة : اعتزلت وقيل انفردت .

{ من أهلها } أي من قومها والمعاني متقاربة . واختلفوا في سبب انتبذاها ، فقيل لأجل أن تعبد الله سبحانه ، وقيل للتطهر من حيضها { مكانا شرقيا } أي من جانب الشرق ، والنصب على الظرفية أو مفعول به ، على أن معنى انتبذت أتت مكانا ، كما في السمين ، وفي المصباح ما يؤيده .

والشرق بسكون الراء المكان الذي تشرق فيه الشمس ، وإنما خص المكان بالشرق لأنهم يعظمون جهة الشرق لأنها مطلع الأنوار ، حكى معناه ابن جرير ، وقال ابن عباس : مكانا أظلها من الشمس أن يراها أحد منهم ، وقال : إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة . لأن مريم اتخذت من أهلها مكانا شرقيا . فاتخذوا ميلاده قبلة ، وإنما سجدت اليهود على خوف حين شق فوقهم الجبل ، فجعلوا ينحرفون وهم ينظرون إليه يتخوفون أن يقع عليهم ، فسجدوا سجدة رضيها الله فاتخذوها عنه .

وقيل كان ذلك اليوم شاتيا شديد البرد فجلست في مشرقه تعلي رأسها .