في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِي بِأَخٖ لَّكُم مِّنۡ أَبِيكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّيٓ أُوفِي ٱلۡكَيۡلَ وَأَنَا۠ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} (59)

54

ولكنا ندرك من السياق أنه أنزلهم منزلا طيبا ، ثم أخذ في إعداد الدرس الأول :

( ولما جهزهم بجهازهم قال : ائتوني بأخ لكم من أبيكم ) . .

فنفهم من هذا أنه تركهم يأنسون إليه ، واستدرجهم حتى ذكروا له من هم على وجه التفصيل ، وأن لهم أخا صغيرا من أبيهم لم يحضر معهم لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه . فلما جهزهم بحاجات الرحلة قال لهم :

إنه يريد أن يرى أخاهم هذا .

( قال : ائتوني بأخ لكم من أبيكم ) . .

وقد رأيتم أنني أوفي الكيل للمشترين . فسأوفيكم نصيبكم حين يجيء معكم ؛ ورأيتم أنني أكرم النزلاء فلا خوف عليه بل سيلقى مني الإكرام المعهود :

( ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين ؟ ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِي بِأَخٖ لَّكُم مِّنۡ أَبِيكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّيٓ أُوفِي ٱلۡكَيۡلَ وَأَنَا۠ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} (59)

{ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } أي : وَفَّاهم كيلهم ، وحمل لهم أحمالهم قال : ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم ، لأعلم صدقكم فيما ذكرتم ، { أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ } يرغبهم في الرجوع إليه ، ثم رَهَّبَهم فقال : { فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ } أي : إن لم تقدموا به معكم في المرة الثانية ، فليس لكم عندي ميرة ، { وَلا تَقْرَبُونِ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } أي : سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن ولا نبقي مجهودا لتعلم صدقنا فيما قلناه .

وذكر السدي : أنه أخذ منهم رهائن حتى يقدموا به معهم . وفي هذا نظر ؛ لأنه أحسن إليهم ورغبهم كثيرا ، وهذا لحرصه{[15223]} على رجوعهم .


[15223]:- في ت : "ولهذا بحرصه" وفي أ : "ولهذا يحرضهم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِي بِأَخٖ لَّكُم مِّنۡ أَبِيكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّيٓ أُوفِي ٱلۡكَيۡلَ وَأَنَا۠ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} (59)

{ ولما جهّزهم بجهازهم } أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله ، والجهاز ما يعد من الأمتعة للنقلة كعدد السفر وما يحمل من بلدة إلى أخرى وما تزف به المرأة إلى زوجها وقرئ " بجهازهم " بالكسر . { قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم } روي : أنهم لما دخلوا عليه قال : من أنتم وما أمركم لعلكم عيون ؟ قالوا : معاذ الله إنما نحن بنو أب واحد وهو شيخ كبير صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب ، قال كم أنتم ؟ قالوا كنا اثني عشر فذهب أحدنا إلى البرية فهلك ، قال : فكم أنتم ها هنا قالوا عشرة ، قال : فأين الحادي عشر ؟ قالوا : عند أبينا يتسلى به عن الهالك ، قال : فمن يشهد لكم . قالوا : لا يعرفنا أحد ها هنا فيشهد لنا قال : فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم حتى أصدقكم ، فاقترعوا فأصابت شمعون . وقيل كان يوسف يعطي لكل نفر حملا فسألوه حملا زائدا لأخ لهم من أبيهم فأعطاهم وشرط عليهم أن يأتوه به ليعلم صدقهم . { ألا ترون أني أوفي الكيل } أتمه . { وأنا خير المنزلين } للضيف والمضيفين لهم وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِي بِأَخٖ لَّكُم مِّنۡ أَبِيكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّيٓ أُوفِي ٱلۡكَيۡلَ وَأَنَا۠ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} (59)

قوله : { ايئتوني بأخ لكم } يقتضي وقوع حديث منهم عن أن لهم أخا من أبيهم لم يحضر معهم وإلا لكان إنبَاء يوسف عليه السلام لهم بهذا يشعرهم أنه يكلمهم عارفاً بهم وهو لا يريد أن يكشف ذلك لهم . وفي التوراة{[252]} أن يوسف عليه السلام احتال لذلك بأن أوهمهم أنه اتهمهم أن يكونوا جواسيس للعدو وأنهم تبرأوا من ذلك فعرفوه بمكانهم من قومهم وبأبيهم وعدد عائلتهم ، فما ذكروا ذلك له أظهر أنه يأخذ أحدهم رهينة عنده إلى أن يرجعوا ويأتوا بأخيهم الأصغر ليصدّقوا قولهم فيما أخبروه ، ولذلك قال : { فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي } .

و { من أبيكم } حال من ( أخ لكم ) أي أُخُوّته من جهة أبيكم ، وهذا من مفهوم الاقتصار الدال على عدم إرادة غيره ، أي من أبيكم وليس من أمكم ، أي ليس بشقيق .

والعدول عن أن يقال : ايئتوني بأخيكم من أبيكم ، لأن المراد حكاية ما اشتمل عليه كلام يوسف عليه السلام من إظهار عدم معرفته بأخيهم إلا من ذِكرهم إياه عنده ، فعدل عن الإضافة المقتضية المعرفة إلى التنكير تنابهاً في التظاهر بجهله به .

{ ولا تقربون } أي لا تعودوا إلى مصر ، وقد علم أنهم لا يتركون أخاهم رهينة .

وقوله : { ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين } ترغيب لهم في العود إليه ؛ وقد عَلم أنهم مضطرون إلى العود إليه لعدم كفاية الميرة التي امتاروها لعائلة ذات عدد من النّاس مثلهم ، كما دل عليه قولهم بعد { ذلك كيل يسير } [ سورة يوسف : 65 ] .

ودل قوله : { خير المنزلين } على أنه كان ينزل الممتارين في ضيافته لكثرة الوافدين على مصر للميرة . والمُنْزل : المُضيف . وهذه الجملة كناية عن الوعد بأن يوفي لهم الكيل ويكرم ضيافتهم إن أتوا بأخيهم . والكيل في الموضعين مرادٌ منه المصدر . فمعنى { فلا كيل لكم عندي } أي لا يكال لكم ، كناية عن منعهم من ابتياع الطعام .


[252]:- الإصحاح 42 من سفر التكوين.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِي بِأَخٖ لَّكُم مِّنۡ أَبِيكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّيٓ أُوفِي ٱلۡكَيۡلَ وَأَنَا۠ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} (59)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولما جهزهم} يوسف {بجهازهم}، يعني في أمر الطعام، {قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم}، يعني بنيامين، وكان أخاهم من أبيهم، وكان أخا يوسف لأبيه وأمه، {ألا ترون أني أوفي}، يعني أوفي لكم {الكيل وأنا خير المنزلين}، وأنا أفضل من يضيف بمصر...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

{ألا ترون أني أوفي الكيل} [يوسف: 59]. 531- ابن عطية: قال مالك، رحمه الله: هذه الآية، وما يليها تقتضي أن كيل الطعام على البائع...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول: ولما حمل يوسف لإخوته أباعِرَهُم من الطعام، فأوقر لكل رجل منهم بعيره، قال لهم: "ائْتُونِي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِيكُمْط كيما أحمل لكم بعيرا آخر فتزدادوا به حمل بعير آخر. "ألا تَرَوْنَ أنّي أوفِي الكَيْلِ "فلا أبخسه أحدا "وأنا خَيْرُ المُنْزِلِينَ"، وأنا خير من أنزل ضيفا على نفسه من الناس بهذه البلدة، فأنا أضيفكم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} مثل هذا لا يحتمل أن يقوله يوسف ابتداء على غير سبب أو كلام، كان هنالك، لكنه لم يذكر الذي كان، ونحن لا نعرف ما الذي كان هنالك في ما بينهم...

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

وكان غَرَضُهُ في ذلك التوصل إلى حصوله عنده؛ وكان قد خاف أن يكتموا أباه أمره إن ظهر لهم أنه يوسف وأن يتوصلوا إلى أن يحولوا بينه وبين الاجتماع معه ومع أخيه، فأجرى تدبيره على تدريج لئلا يهجم عليهم ما يشتد اضطرابهم معه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

تَلَطَّفَ يوسف في استحضار بنيامين بالترغيب والترهيب، وأما الترغيب ففي مالِه الذي أوصله إليهم وهو يقول: {أَلاَ تَرَوْنَ أَنّىِ أُوفِى الْكَيْلَ} وفي إقباله عليهم وفي إكرامه لهم وهو يقول: {وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}. وأمّا الترهيب فبمنع المال وهو يقول: {فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون}...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ} أي أصلحهم بعدّتهم وهي عدّة السفر من الزاد وما يحتاج إليه المسافرون وأوقر ركائبهم بما جاؤوا له من الميرة...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي: وَفَّاهم كيلهم، وحمل لهم أحمالهم قال: ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم، لأعلم صدقكم فيما ذكرتم، {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ} يرغبهم في الرجوع إليه، ثم رَهَّبَهم فقال: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ} أي: إن لم تقدموا به معكم في المرة الثانية، فليس لكم عندي ميرة،...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان المعنى في قوة أن يقال: فطلبوا منه الميرة فباعهم بعد أن استخبرهم عن أمرهم، وقال لهم: لعلكم جواسيس؟ وسألهم عن جميع حالهم. فأخبروه بأبيهم وأخيهم منه، ليعلم صلاحهم ولا يظن أنهم جواسيس، عطف عليه قوله: {ولما جهزهم} أي يوسف عليه الصلاة والسلام {بجهازهم} الذي جاؤوا له وقد أحسن إليهم؛ والجهاز: فاخر المتاع الذي يحمل من بلد إلى بلد {قال} أي لهم {ائتوني} أيها العصابة {بأخ لكم} كائن {من أبيكم} يأتي برسالة من أبيكم الرجل الصالح حتى أصدقكم، أو أنهم طلبوا منه لأخيهم حملاً، فأظهر أنه لم يصدقهم، وطلب إحضاره ليعطيه، فإنه كان يوزع الطعام على قدر الكفاية؛ ثم رغبهم بإطماعهم في مثل ما فعل بهم من الإحسان، وكان قد أحسن نزلهم، فقال مقرراً لهم بما رأوا منه: {ألا ترون} أي تعلمون علماً هو كالرؤية {أني أوفي الكيل} أي أتمه دائماً على ما يوجبه الحق {وأنا خير المنزلين} أضع الشيء في أولى منازله.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولكنا ندرك من السياق أنه أنزلهم منزلا طيبا، ثم أخذ في إعداد الدرس الأول:

(ولما جهزهم بجهازهم قال: ائتوني بأخ لكم من أبيكم)..

فنفهم من هذا أنه تركهم يأنسون إليه، واستدرجهم حتى ذكروا له من هم على وجه التفصيل، وأن لهم أخا صغيرا من أبيهم لم يحضر معهم لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه. فلما جهزهم بحاجات الرحلة قال لهم:

إنه يريد أن يرى أخاهم هذا.

(قال: ائتوني بأخ لكم من أبيكم)..

وقد رأيتم أنني أوفي الكيل للمشترين. فسأوفيكم نصيبكم حين يجيء معكم؛ ورأيتم أنني أكرم النزلاء فلا خوف عليه بل سيلقى مني الإكرام المعهود:

(ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين؟)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

قوله: {ائتوني بأخ لكم} يقتضي وقوع حديث منهم عن أن لهم أخا من أبيهم لم يحضر معهم وإلا لكان إنبَاء يوسف عليه السلام لهم بهذا يشعرهم أنه يكلمهم عارفاً بهم وهو لا يريد أن يكشف ذلك لهم...

و {من أبيكم} حال من (أخ لكم) أي أُخُوّته من جهة أبيكم، وهذا من مفهوم الاقتصار الدال على عدم إرادة غيره، أي من أبيكم وليس من أمكم، أي ليس بشقيق.

والعدول عن أن يقال: ائتوني بأخيكم من أبيكم، لأن المراد حكاية ما اشتمل عليه كلام يوسف عليه السلام من إظهار عدم معرفته بأخيهم إلا من ذِكرهم إياه عنده، فعدل عن الإضافة المقتضية المعرفة إلى التنكير تنابهاً في التظاهر بجهله به...

وقوله: {ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين} ترغيب لهم في العود إليه؛ وقد عَلم أنهم مضطرون إلى العود إليه لعدم كفاية الميرة التي امتاروها لعائلة ذات عدد من النّاس مثلهم، كما دل عليه قولهم بعد {ذلك كيل يسير} [سورة يوسف: 65].

ودل قوله: {خير المنزلين} على أنه كان ينزل الممتارين في ضيافته لكثرة الوافدين على مصر للميرة. والمُنْزل: المُضيف. وهذه الجملة كناية عن الوعد بأن يوفي لهم الكيل ويكرم ضيافتهم إن أتوا بأخيهم. والكيل في الموضعين مرادٌ منه المصدر.