فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِي بِأَخٖ لَّكُم مِّنۡ أَبِيكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّيٓ أُوفِي ٱلۡكَيۡلَ وَأَنَا۠ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} (59)

{ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } المراد به هنا أنه أعطاهم ما طلبوه من الميرة ، وما يصلحون به سفرهم من العدّة التي يحتاجها المسافر . يقال : جهزت القوم تجهيزاً إذا تكلفت لهم جهازاً للسفر . قال الأزهري : القراء كلهم على فتح الجيم ، والكسر لغة جيدة . { قَالَ ائتوني بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ } قيل : لا بدّ من كلام ينشأ عنه طلبه لهم بأن يأتوه بأخ لهم من أبيهم ، فروي أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم : ما أنتم وما شأنكم فإني أنكركم ؟ فقالوا : نحن قوم من أهل الشام جئنا نمتار ولنا أب شيخ صديق نبيّ من الأنبياء اسمه يعقوب . قال : كم أنتم ؟ قالوا : عشرة ، وقد كنا اثني عشر ، فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك ، وكان أحبنا إلى أبينا ، وقد سكن بعده إلى أخ له أصغر منه هو باقٍ لديه ، يتسلى به ، فقال لهم حينئذٍ : { ائتوني بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ } يعني : أخاه ( بنيامين ) الذي تقدّم ذكره ، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه ، فوعدوه بذلك ، فطلب منهم أن يتركوا أحدهم رهينة عنده حتى يأتوه بالأخ الذي طلبه ، فاقترعوا فأصابت القرعة ( شمعون ) فخلفوه عنده ، ثم قال لهم : { أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الكيل } أي : أتممه ، وجاء بصيغة الاستقبال مع كونه قال لهم هذه المقالة بعد تجهيزهم للدلالة على أن ذلك عادته المستمرّة ، ثم أخبرهم بما يزيدهم وثوقاً به وتصديقاً لقوله ، فقال : { وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين } أي : والحال أني خير المنزلين لمن نزل بي كما فعلته بكم من حسن الضيافة ، وحسن الإنزال . قال الزجاج : قال يوسف : { وَأَنَا خَيْرُ المنزلين } لأنه حين أنزلهم أحسن ضيافتهم .

/خ66