غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ قَالَ ٱئۡتُونِي بِأَخٖ لَّكُم مِّنۡ أَبِيكُمۡۚ أَلَا تَرَوۡنَ أَنِّيٓ أُوفِي ٱلۡكَيۡلَ وَأَنَا۠ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} (59)

54

{ ولما جهزهم بجهازهم } هو ما يحتاج إليه في كل باب ومنه جهاز العروس والميت . قال الليث : جهزت القوم تجهيزاً إذا تكلفت لهم جهازاً للسفر .

قال : وسمعت أهل البصرة يحكون الجهاز بالكسر . وقال الأزهري : القراء كلهم على فتح الجيم والكسر لغة جيدة { قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم } قال العلماء : لا بد من كلام يجر هذا الكلام فروي أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم : ما أنتم ؟ وما شأنكم فإني أنكركم . قالوا : نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد وجئنا نمتار . فقال : لعلكم جئتم عيوناً ؟ قالوا : معاذ الله نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب . قال : كم أنتم ؟ قالوا : كنا اثني عشر فهلك منا واحد . فقال : فكم أنتم ههنا ؟ قالوا : عشرة قال : فأين الأخ الحادي عشر ؟ قالوا : هو عند أبيه يتسلى به عن الهالك . قال : فمن يشهد لكم أنكم لستم بعيون ؟ قالوا : إنا ببلاد لا يعرفنا أحد . قال : فدعوا بعضكم عندي رهيناً وأتوني بأخيكم من أبيكم يحمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم . فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأياً في يوسف فخلفوه عنده . وقيل : كانوا عشرة فأعطاهم عشرة أحمال فقالوا : إن لنا شيخاً كبيراً وأخاً آخر فبقي معه ولا بد لهما من حملين آخرين . فاستدل الملك ببقائه عند أبيه على زيادة محبته إياه وكونه فائقاً في الجمال والأدب فاستدعى منهم إحضاره . وقيل : لعلهم لما ذكروا أباهم قال يوسف : فلم تركتموه وحيداً فريداً ؟ فقالوا : بل بقي عنده واحد . فقال لهم : لم خصه بهذا المعنى لأجل نقص في جسده ؟ قالوا : لا بل لزيادة محبته . فقال : إن أباكم رجل عالم حكيم . ثم إنه خصه بمزيد المحبة مع أنكم فضلاء أدباء فلابد أن يكون هو زائداً عليكم في الكمال والجمال فائتوني به لأشاهده . والأوّل قول المفسرين ، والآخران محتملان . ولما طلب منهم إحضار الأخ جمع لهم بين الترغيب والترهيب فالأوّل قوله : { ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين } المضيفين وكان قد أحسن ضيافتهم أو زاد لكل من الأب والأخ الغائب حملاً .

/خ68