ويبين فضل موسى بندائه من جانب الطور الأيمن [ الأيمن بالنسبة لموسى إذ ذاك ] وتقريبه إلى الله لدرجة الكلام . الكلام القريب في صورة مناجاة . ونحن لا ندري كيف كان هذا الكلام ، وكيف أدركه موسى . . أكان صوتا تسمعه الأذن أم يتلقاه الكيان الإنساني كله . ولا نعلم كيف أعد الله كيان موسى البشري لتلقي كلام الله الأزلي . . إنما نؤمن أنه كان . وهو على الله هين أن يصل مخلوقه به بطريقة من الطرق ، وهو بشر على بشريته ، وكلام الله علوي على علويته . ومن قبل كان الإنسان إنسانا بنفخة من روح الله .
وقوله : { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ } أي : الجبل { الأيْمَنِ } أي : من جانبه الأيمن من موسى حين ذهب يبتغي من تلك النار جذوة ، رآها تلوح فقصدها ، فوجدها في جانب الطور الأيمن منه{[18877]} ، عند شاطئ الوادي . فكلمه الله تعالى ، ناداه وقربه وناجاه{[18878]} . قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار{[18879]} ، حدثنا يحيى - هو القطان - حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب{[18880]} ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قال : أدني حتى سمع{[18881]} صريف القلم .
وهكذا قال مجاهد ، وأبو العالية ، وغيرهم . يعنون صريف القلم بكتابة التوراة .
وقال السدي : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قال : أدخل في السماء فكلم ، وعن مجاهد نحوه .
وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قال : نجا بصدقه{[18882]}
قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الجبار بن عاصم ، حدثنا محمد بن سلمة الحراني ، عن أبي الوصل ، عن شهر بن حَوْشَب ، عن عمرو بن معد يكرب قال : لما قرب الله موسى نجيًا بطور سيناء ، قال : يا موسى ، إذا خلقت لك قلبًا شاكرًا ، ولسانًا ذاكرًا ، وزوجة تعين على الخير ، فلم أخزن عنك من الخير شيئًا ، ومن أخزن عنه هذا فلم أفتح له من الخير شيئًا .
{ وناديناه من جانب الطور الأيمن } من ناحيته اليمنى من اليمين ، وهي التي تلي يمين موسى أو من جانبه الميمون من اليمن بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة . { وقربناه } تقريب تشريف شبهه بمن قربه الملك لمناجاته . { نجيا } مناجيا حال من أحد الضميرين . وقيل مرتفعا من النجوة وهو الارتفاع لما روي أنه فوق السماوات حتى سمع صرير القلم .
وقوله { وناديناه } هو تكليم الله تعالى ، و { الطور } الجبل المشهور في الشام ، وقوله { الأيمن } صفة للجانب ، وكانت على يمين موسى بحسب وقوفه فيه ، وإلا فالجبل نفسه لا يمنة له ولا يسرة ولا يوصف بشيء من ذلك إلا بالاضافة الى ذي يمين ويسار ، ويحتمل أن يكون قوله { الأيمن } مأخوذاً من اليمن كأنه قال الأبرك والأسعد ، فيصح على هذا أن يكون صفة للجانب وللجبل بجملته ، وقوله ، { وقربناه نجياً } قال الجمهور هو تقريب التشريف بالكلام والنبوءة ، وقال ابن عباس : بل أدني موسى من الملكوت ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام وقاله ميسرة ، وقال سعيد : أردفه جبريل ، و «النجي » ، فعيل من المناجاة وهي المسارّة بالقول ، وقال قتادة { نجياً } معناه نجا بصدقة وهذا مختل ، وإنما «النجي » المنفرد بالمناجاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.