في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا} (11)

بعد ذلك أخذ الجن يصفون حالهم وموقفهم من هدى الله ؛ بما نفهم منه أن لهم طبيعة مزدوجة كطبيعة الإنسان في الاستعداد للهدى والضلال . ويحدثنا هذا النفر عن عقيدتهم في ربهم وقد آمنوا به . وعن ظنهم بعاقبة من يهتدي ومن يضل :

( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ، كنا طرائق قددا . وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا . وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ، فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا . وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون : فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا . وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) . .

وهذا التقرير من الجن بأن منهم صالحين وغير صالحين ، مسلمين وقاسطين ، يفيد ازدواج طبيعة الجن ، واستعدادهم للخير والشر كالإنسان - إلا من تمحض للشر منهم وهو إبليس وقبيله - وهو تقرير ذو أهمية بالغة في تصحيح تصورنا العام عن هذا الخلق . فأغلبنا حتى الدارسين الفاقهين - على اعتقاد أن الجن يمثلون الشر ، وقد خلصت طبيعتهم له . وأن الإنسان وحده بين الخلائق هو ذو الطبيعة المزدوجة . وهذا ناشئ عن مقررات سابقة في تصوراتنا عن حقائق هذا الوجود كما أسلفنا . وقد آن أن نراجعها على مقررات القرآن الصحيحة !

وهذا النفر من الجن يقول : ( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ) . . ويصف حالهم بصفة عامة : ( كنا طرائق قددا ) . . أي لكل منا طريقته المنفصلة المقدودة المنقطعه عن طريقة الفريق الآخر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا} (11)

يقول مخبرا عن الجن : أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم : { وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي : غير ذلك ، { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } أي : طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة .

قال ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد : { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } أي : منا المؤمن ومنا الكافر .

وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه ، حدثنا أسلم بن سهل بحشل ، حدثنا علي بن الحسن بن سليمان - هو أبو الشعثاء الحضرمي ، شيخ مسلم - حدثنا أبو معاوية{[29374]} قال : سمعتُ الأعمش يقول : تروح إلينا جني ، فقلت له : ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال : الأرز . قال : فأتيناهم به ، فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدا . فقلت : فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال : نعم . قلت : فما الرافضة فيكم{[29375]} ؟ قال {[29376]} شرنا . عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المِزِّي فقال : هذا إسناد صحيح إلى الأعمش .

وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال{[29377]} سمعتُ بعض الجَنّ وأنا في منزل لي بالليل ينشد :

قُلوبٌ بَرَاها الحبّ حَتى تعلَّقت *** مَذَاهبُها في كُلّ غَرب وشَارقِ

تَهيم بحب الله ، واللهُ رَبُّها *** مُعَلَّقةٌ بالله دُونَ الخَلائقِ{[29378]}


[29374]:- (1) في أ : "أبو عوانة".
[29375]:- (2) في أ : "منكم".
[29376]:- (3) في م : "قالوا".
[29377]:- (4) في م : "أنه قال".
[29378]:- (5) تاريخ دمشق (8/887 "المخطوط" ).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا} (11)

وأنا منا الصالحون المؤمنون الأبرار ومنا دون ذلك أي قوم دون ذلك فحذف الموصوف وهم المقتصدون كنا طرائق ذوي طرائق أي مذاهب أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت طرائقنا طرائق قددا متفرقة مختلفة جمع قدة من قد إذا قطع .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} يعني دون المسلمين، كافرين، فلذلك قوله: {كنا طرائق قددا} يقول: أهل ملل شتى، مؤمنين وكافرين ويهود ونصارى.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيلهم:"وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ "وهم المسلمون العاملون بطاعة الله.

"وَمنّا دُونَ ذلكَ": ومنا دون الصالحين.

"كُنّا طَرائقَ قدَدا": وأنا كنا أهواء مختلفة، وفِرَقا شتى، منا المؤمن والكافر. والطرائق: جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. والقِدد: جمع قدّة، وهي الضروب والأجناس المختلفة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وأنا منا الصالحون} أي منا من عرف بالصلاح والستر {ومنا دون ذلك} وهم الفسقة، فيكون فيه إبانة أن كل أهل دين، فيهم الصالح المرضي، وفيهم الفاسق المفسد في دينه.

{كنا طرائق قددا} أي أهواء متفرقة، ولم يذكروا الأهواء المتفرقة في الأصلح والأدون، ذكروا ذلك عند ذكر الفاسق والصالح، لأن أهل الأهواء، كل يعتقد في نفسه أنه، هو المحق، وغيره على الباطل، وأما الفاسق فهو يعرف أنه يتعاطى بفسقه ما لا يحل له، ويرتكب ما نهي عنه، وكذلك كل من شاهد فسقه يعرف أنه على الباطل. فإذا كان كذلك ظهر الدون فيه، وظهر الصالح، ولم يظهر ذلك في اعتقاد المذاهب، فلم يتكلم فيه بالدون والصالح.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ووصفت الطرائق بالقدد لدلالتها على معنى التقطع والتفرق.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

بعد ذلك أخذ الجن يصفون حالهم وموقفهم من هدى الله؛ بما نفهم منه أن لهم طبيعة مزدوجة كطبيعة الإنسان في الاستعداد للهدى والضلال. ويحدثنا هذا النفر عن عقيدتهم في ربهم وقد آمنوا به. وعن ظنهم بعاقبة من يهتدي ومن يضل:

(وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك، كنا طرائق قددا. وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا. وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به، فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا. وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون: فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا. وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا)..

وهذا التقرير من الجن بأن منهم صالحين وغير صالحين، مسلمين وقاسطين، يفيد ازدواج طبيعة الجن، واستعدادهم للخير والشر كالإنسان -إلا من تمحض للشر منهم وهو إبليس وقبيله- وهو تقرير ذو أهمية بالغة في تصحيح تصورنا العام عن هذا الخلق. فأغلبنا حتى الدارسين الفاقهين -على اعتقاد أن الجن يمثلون الشر، وقد خلصت طبيعتهم له. وأن الإنسان وحده بين الخلائق هو ذو الطبيعة المزدوجة. وهذا ناشئ عن مقررات سابقة في تصوراتنا عن حقائق هذا الوجود كما أسلفنا. وقد آن أن نراجعها على مقررات القرآن الصحيحة!

وهذا النفر من الجن يقول: (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك).. ويصف حالهم بصفة عامة: (كنا طرائق قددا).. أي لكل منا طريقته المنفصلة المقدودة المنقطعة عن طريقة الفريق الآخر.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أي آمنا بأنا منّا الصالحون، أي أيقنَّا بذلك وكنا في جهالة عن ذلك.

ظهرت عليهم آثار التوفيق فعلموا أنهم أصبحوا فريقين فريق صالحون وفريق ليسوا بصالحين، وهم يعنون بالصالحين أنفسهم وبمن دون الصلاح بقية نوعهم، فلما قاموا مقام دعوة إخوانهم إلى اتباع طريق الخير لم يصارحوهم بنسبتهم إلى الإِفساد بل ألهموا وقالوا منا الصالحون، ثم تلطفوا فقالوا: ومنا دون ذلك، الصادق بمراتب متفاوتة في الشر والفساد ليتطلب المخاطبون دلائل التمييز بين الفريقين، على أنهم تركوا لهم احتمال أن يُعنَى بالصالحين الكاملون في الصلاح فيكون المعني بمن دون ذلك من هم دون مرتبة الكمال في الصلاح، وهذا من بليغ العبارات في الدعوة والإِرشاد إلى الخير.

والمعنى: أنهم يدعون إخوتهم إلى وحدة الاعتقاد باقتفاء هدى الإِسلام، فالخبر مستعمل في التعريض بذم الاختلاف بين القوم وأن على القوم أن يتحدوا ويتطلبوا الحق ليكون اتحادهم على الحق.

وليس المقصود منه فائدة الخبر، لأن المخاطبين يعلمون ذلك.