{ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فرح وقُرة عين . وقال عِكْرِمة : نعم مالهم .
وقال الضحاك : غبطة لَهُم . وقال إبراهيم النَّخعي : خير لهم .
وقال قتادة : هي كلمة عربية{[15595]} يقول الرجل : " طوبى لك " ، أي : أصبت خيرًا . وقال في رواية : { طُوبَى لَهُمْ } حسنى لهم .
{ وَحُسْنُ مَآبٍ } أي : مرجع .
وهذه الأقوال شيء واحد لا منافاة بينها .
وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { طُوبَى لَهُمْ } قال : هي أرض الجنة بالحبشية .
وقال سعيد بن مَسْجُوح : طوبى اسم الجنة بالهندية . وكذا روى السدي ، عن عِكْرِمة : { طُوبَى لَهُمْ } أي : الجنة . وبه قال مجاهد .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال : { الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } وذلك حين أعجبته .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن شَهْر بن حَوْشَب قال : { طُوبَى } شجرة في الجنة ، كل شجر الجنة منها ، أغصانها من وراء سور الجنة .
وهكذا رُوي عن أبي هريرة ، وابن عباس ، ومغيث بن سُمَىّ ، وأبي إسحاق السَّبِيعي وغير واحد من السلف : أن طوبى شجرة في الجنة ، في كل دار منها غصن منها .
وذكر بعضهم أن الرحمن ، تبارك وتعالى ، غرسها بيده من حبة لؤلؤة ، وأمرها أن تمتد ، فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى ، وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة ، من عسل وخمر وماء ولبن . {[15596]} وقد قال عبد الله بن وهب : حدثنا عمرو بن الحارث ، أن درَّاجا أبا السَّمْح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، [ مرفوعا : " طوبى : شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " . {[15597]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، سمعت عبد الله بن لَهِيعة ، حدثنا دَرَّاج أبو السمح ، أن أبا الهيثم حدثه ، عن أبي سعيد الخدري ]{[15598]} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قال : يا رسول الله ، طوبى لمن رآك وآمن بك . قال : " طوبى لمن رآني وآمن بي ، ثم طوبى ، ثم طوبى ، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " . قال له رجل : وما طوبى ؟ قال : " شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " . {[15599]} وروى البخاري ومسلم جميعًا ، عن إسحاق بن راهويه ، عن مغيرة المخزومي ، عن وَهيب ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " قال : فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزّرَقي ، فقال : حدثني أبو سعيد الخُدْري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجَوَاد المضمَّرَ السريع مائة عام ما يقطعها " . {[15600]} وفي صحيح البخاري ، من حديث يزيد بن زُرَيع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله : { وَظِلٍّ مَمْدُودٍ } [ الواقعة : 30 ] قال : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " . {[15601]} وقال الإمام أحمد : حدثنا سُرَيْج ، حدثنا فُلَيْح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة{[15602]} اقرءوا إن شئتم { وَظِلٍّ مَمْدُودٍ } أخرجاه في الصحيحين . {[15603]} وقال [ الإمام ]{[15604]} أحمد أيضًا : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا حدثنا شعبة ، سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين - أو : مائة - سنة هي شجرة الخلد " . {[15605]} وقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر سدرة المنتهى ، قال : " يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة - أو : قال - : يستظل في الفنن منها مائة راكب ، فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القلال " . رواه الترمذي . {[15606]}
وقال إسماعيل بن عياش ، عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام الأسود قال : سمعت أبا أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى ، فتفتح له أكمامها ، فيأخذ من أي ذلك شاء ، إن شاء أبيض ، وإن شاء أحمر ، وإن شاء أصفر ، وإن شاء أسود ، مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن " . {[15607]} وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن مَعْمَر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : طوبى شجرة في الجنة ، يقول الله لها : " تَفَتَّقي لعبدي عَمّا شاء ؛ فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإبل بأزمتها ، وعما شاء من الكسوة " {[15608]} . وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبا ، قال وهب ، رحمه الله : إن في الجنة شجرة يقال لها : " طوبى " ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، وَوحَلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة ، فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا{[15609]} ووبرها كخز المْرعِزّي{[15610]} من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها{[15611]} من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها ويقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال : فيركبونها ، فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفراش ، نجيا من غير مَهَنَة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب{[15612]} أذن راحلة منها أذن الأخرى ، ولا بَرك راحلة برك الأخرى ، حتى إن شجرة لتتنحَّى عن طريقهم ، لئلا تفرق بين الرجل وأخيه . قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهم ، أنت السلام ومنك السلام ، وحق لك الجلال والإكرام . قال : فيقول تعالى [ عند ذلك ]{[15613]} أنا السلام ومني السلام ، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري " .
قال : فيقولون : ربنا لم نعبدك حق عبادتك ، ولم نقدرك حق قدرك ، فأذن لنا في السجود قُدامك قال : فيقول الله : " إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ، ولكنها دار مُلْك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته " فيسألونه ، حتى أن أقصرهم أمنية ليقول : رب ، تنافس{[15614]} أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ، رب فآتني مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا . فيقول الله تعالى : " لقد قصرت بك أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني ، [ وسأتحفك بمنزلتي ]{[15615]} ؛ لأنه ليس في عطائي نكد ولا تَصريد " . قال : ثم يقول : " اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ، ولم يخطر لهم على بال " . قال : فيعرضون عليهم حتى تَقْصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مُقْرنة ، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، على كل سرير منها قبة من ذهب مُفرَّغة ، في كل قبة منها فرش من فُرش الجنة مُتظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما{[15616]} ولا ريح طيبة إلا قد عبقتا به{[15617]} ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة ، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة ، يرى مخهما من فوق سوقهما ، كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صاحبته{[15618]} كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو لهما مثل ذلك ، ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعتنقانه{[15619]} به ، ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك . ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة ، حتى ينتهى بكل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له . {[15620]} وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده ، عن وهب بن منبه ، وزاد : فانظروا إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم ، فإذا هو بقباب في الرفيق الأعلى ، وغرف مبنية من الدر والمرجان ، وأبوابها من ذهب ، وسررها من ياقوت ، وفرشها من سندس وإستبرق ، ومنابرها من نور ، يفور من أبوابها وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري{[15621]} في النهار المضيء ، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها ، فلولا أنه مُسَخر ، إذًا لالتمع الأبصارَ ، فما كان من تلك القصور من الياقوت [ الأبيض ، فهو مفروش بالحرير{[15622]} الأبيض ، وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر ، وما كان منها من الياقوت الأخضر ]{[15623]} فهو مفروش بالسندس الأخضر ، وما كان منها من الياقوت الأصفر ، فهو مفروش بالأرجوان الأصفر منزه{[15624]} بالزمرد الأخضر ، والذهب الأحمر ، والفضة البيضاء ، قوائمها وأركانها من الجوهر ، وشُرُفها قباب من لؤلؤ ، وبروجها غُرَف من المرجان . فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم ، قُرّبت لهم براذين من ياقوت أبيض ، منفوخ فيها الروح ، تَجنَبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة بِرْذَون من تلك البراذين ، ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء ، منظومة بالدر والياقوت ، سُرُوجها سُرُرٌ موضونة ، مفروشة بالسندس والإستبرق . فانطلقت بهم تلك البراذين تَزَف بهم ببطن{[15625]} رياض الجنة . فلما انتهوا إلى منازلهم ، وجدوا الملائكة قُعُودًا على منابر من نور ، ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامَةَ ربهم . فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تَطَاول به عليهم{[15626]} وما سألوا وتمنوا ، وإذا على باب كلّ قصر من تلك القصور أربعة جنان ، [ جنتان ]{[15627]} ذواتا أفنان ، وجنتان مُدْهامتان ، وفيهما عينان نضاختان ، وفيهما من كل فاكهة زوجان ، وحور مقصورات في الخيام ، فلما تَبَيَّنُوا{[15628]} منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم : هل وجدتم ما وعدتكم{[15629]} حقا ؟ قالوا : نعم ورَبِّنَا . قال : هل رضيتم ثواب ربكم ؟ قالوا : ربنا ، رضينا فارض عنا قال : برضاي{[15630]} عنكم حللتم داري ، ونظرتم إلى وجهي ، وصافحتكم ملائكتي ، فهنيئًا هنيئًا لكم ، { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] ليس فيه تنغيص ولا تصريد . فعند ذلك قالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، وأدخلنا{[15631]} دار المقامة من فضله ، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ، إن ربنا لغفور شكور .
وهذا سياق غريب ، وأثر عجيب ولبعضه شواهد ، ففي الصحيحين : أن الله تعالى يقول لذلك الرجل الذي يكون آخر أهل الجنة دخولا الجنة : تمن " ، فيتمنى{[15632]} حتى إذا انتهت به الأماني يقول الله تعالى : " تمن من كذا وتمن من كذا " ، يذكره ، ثم يقول : " ذلك لك ، وعشرة أمثاله " . {[15633]}
وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله ، عز وجل{[15634]} يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان{[15635]} مسألته ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " ، الحديث بطوله{[15636]} . وقال خالد بن مَعْدَان : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، لها ضروع ، كلها ترضع صِبيَان أهل الجنة ، وإن سَقَط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة ، يتقلب فيه حتى تقوم القيامة ، فيبعث ابن أربعين سنة . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ، الصالحات من الأعمال ، وذلك العمل بما أمرهم ربهم . طُوَبى لَهُمْ وطُوَبى في موضع رفع بلهم . وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول ذلك رفع ، كما يقال في الكلام : وَيْلٌ لعمرو ، وإنما أوثر الرفع في طُوبَى لحسن الإضافة فيه بغير لام ، وذلك أنه يقال فيه طوباك ، كما يقال : ويْلَك ووَيْبك ، ولولا حسن الإضافة فيه بغير لام لكان النصب فيه أحسن وأفصح ، كما النصب في قولهم : تَعْسا لزيد وبُعدا له وسحقا أحسن ، إذ كانت الإضافة فيها بغير لام لا تحسن .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله طُوبَى لَهُمْ فقال بعضّهم : معناه : نِعْمَ ما لَهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني جعفر بن محمد البروريّ من أهل الكوفة ، قال : حدثنا أبو زكريا الكلبيّ ، عن عمر بن نافع ، قال : سئل عكرمة عن «طوبى لهم » ، قال : نِعْمَ ما لَهم .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عمرو بن نافع ، عن عكرمة ، في قوله : طُوَبى لَهُمْ قال : نِعْم ما لَهم .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : ثني عمرو بن نافع ، قال : سمعت عكرمة ، في قوله : طُوَبى لَهُمْ قال : نِعْم ما لَهم .
وقال آخرون : معناه : غبْطةٌ لهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : طُوَبى لَهُمْ قال : غِبْطة لهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَغْراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .
قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، مثله .
وقال آخرون : معناه : فَرَح وقرّة عين . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن داود المثنى بن إبراهيم ، قالا : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : طُوَبَى لَهُمْ يقول : فَرَح وقرّة عين .
وقال آخرون : معناه : حُسْنَى لهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : طُوَبى لَهُمْ يقول : حُسْنَى لهم ، وهي كلمة من كلام العرب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : طُوَبى لَهُمْ هذه كلمة عربية ، يقول الرجل : طُوَبى لك : أي أصبتَ خيرا .
وقال آخرون : معناه : خير لهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : خير لهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : طُوَبى لَهُمْ قال : الخير والكرامة التي أعطاهم الله .
وقال آخرون : طُوَبى لَهُمْ اسم من أسماء الجنة ، ومعنى الكلام : الجنة لهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : طُوبَى لَهُمْ قال : اسم الجنة بالحبشية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن مشجوع في قوله : طُوَبى لَهُمْ قال : «طوبى » : اسم الجنة بالهِندية .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا داود بن مهران ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المُغيرة ، عن سعيد بن مشجوع ، قال : اسم الجنة بالهندية : طُوبَى .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن عكرمة : طُوبَى لَهُمْ قال : الجنة .
قال : حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : طُوبَى لَهُمْ قال : الجنة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ قال : لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال : الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ وذلك حين أعجبته .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد : طُوبَى لَهُمْ قال الجنة .
وقال آخرون : طُوَبى لَهُمْ : شجرة في الجنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا قرة بن خالد ، عن موسى بن سالم ، قال : قال ابن عباس : طُوبَى لَهُمْ شجرة في الجنة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله ، عن شَهْر بن حَوْشب ، عن أبي هريرة : طُوبَى لَهُمْ : شجرة في الجنة يقول لها : تفتقي لعبدي عما شاء فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمها ، وعن الإبل بأزمّتها ، وعما شاء من الكسوة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن شهر بن حوشب ، قال : طوبى : شجرة في الجنة ، كلّ شجر الجنة منها ، أغصانها من وراء سُور الجنة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الأشعث ، بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طُوَبى ، يقول الله لها : تفتقي فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى ، عن ابن ثور .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الجبار ، قال : حدثنا مروان ، قال : أخبرنا العلاء ، عن شمّر بن عطية ، في قوله : طُوبَى لَهُمْ قال : هي شجرة في الجنة يقال لها طوبى .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن حسان أبي الأشرس ، عن مُغيث بن سُمَيّ ، قال : طُوَبى : شجرة في الجنة ، ليس في الجنة دار إلا فيها غصن منها ، فيجيء الطائر فيقع فيدعوه ، فيأكل من أحد جنبيه قَدِيدا ومن الاَخر شِواء ، ثم يقول : طِرْ فيطير .
قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن بعض أهل الشام ، قال : إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه ، ثم دَمْلجها بين كفيّه ، ثم غرسها وسط أهل الجنة ، ثم قال لها : امتدّي حتى تبلغي مرضاتي ففعلت ، فلما استوت تفجّرت من أصولها أنهار الجنة ، وهي طُوَبى .
حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهبا يقول : إن في الجنة شجرة يقال لها : طُوَبى ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة . فبينما هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم ، يقودون نُجبُا مزمومة بسلاسل من ذهب ، وجوهها كالمصابيح من حسنها ، وبرها كخزّ المِرْعِزّي من لينه ، عليها رحال ، ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها ويقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه . قال : فيركبونها . قال : فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفِراش نُجُبا من غير مَهَنة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها ، ولا بَرْك راحلة بَرْك صاحبتها ، حتى إن الشجرة لتتنحّى عن طرقهم لئلا تفرّق بين الرجل وأخيه . قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم ، فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهمّ أنت السلام ومنك السلام ، وحقّ لك الجلال والإكرام قال : فيقول تبارك وتعالى عند ذلك : أنا السلام ، ومنى السلام ، وعليكم حَقّت رحمتي ومحبتي ، مرحبا بعبادي الذين خَشُوني بغيب أطاعوا أمري قال : فيقولون : ربنا إنا لم نعبدك حقّ عبادتك ولم نقدّرك حقّ قدرك ، فأذن لنا بالسجود قدامك قال : فيقول الله : إنها ليست بدار نصَب ولا عبادة ، ولكنها دار مُلك ونعيم ، وإني قد رَفَعت عنكم نَصَب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكلّ رجل منكم أمنيته فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول : ربّ تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ، ربّ فآتني كلّ شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا فيقول الله : لقد قَصّرت بك اليوم أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني ، وسأتحفك بمنزلتي ، لأنه ليس في عطائي نَكَد ولا تَصْرِيد . قال : ثم يقول : اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيّهم ولم يخطر لهم على بال قال : فيَعرضون عليهم حتى يقضوهم أمانيهم التي في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذينُ مقرنة ، على كلّ أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، على كلّ سرير منها قُبة من ذهب ، مُفْرَغة ، في كل قبة منها فرش من فُرُش الجنة مظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كلّ جارية منهنّ ثوبان من ثياب الجنة ، ليس في الجنة لون إلا وهو فيهما ، ولا ريح طيّبة إلا قد عَبقتا به ، ينَفُذ ضوء وجوههما غلَظَ القبة ، حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة ، يرى مخهما من فوق سُوقهما كالسلك الأبيض من ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صحابته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو لهما مثل ذلك . ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعانقانه ، ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة حتى ينتهي كلّ رجل منهم إلى منزلته التي أُعدت له .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا علي بن جرير ، عن حماد ، قال : شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حسّان بن أبي الأشرس ، عن مُغيث بن سُمَيّ قال : طوبى : شجرة في الجنة لو أن رجلاً ركب قلوصا جذعا أو جذعة ، ثم دار بها لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرما . وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلّ عليهم ، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فيأكلون منه ما شاءوا ، ويجيء الطير فيأكلون منه قديدا وشواء ما شاءوا ، ثم يطير .
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة . ذكر الرواية بذلك :
حدثني سليمان بن داود القُومسي ، قال : حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، قال : حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد ، أنه سمع أبا سلام ، قال : حدثنا عامر بن زيد البكالي ، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول : جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن في الجنة فاكهة ؟ قال : «نَعَمْ ، فِيها شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى ، هِيَ تُطَابِقُ الفِرْدَوْسَ » . قال : أيّ شجر أرضنا تُشْبه ؟ قال : «لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئا مِنْ شَجَرِ أرْضِكَ ، وَلَكِنْ أتَيْتَ الشّامَ ؟ » فقال : لا يا رسول الله ، فقال : «فإنّها تُشْبِهُ شَجَرَةً تُدْعَى الجُوزَةَ ، تَنْبُتُ على ساقٍ وَاحِدَةٍ ثُمّ يَنْتَشِرُ أعْلاها » قال : ما عظم أصلها ؟ قال : «لَوِ ارْتَحَلتْ جَذَعَةٌ مِنْ إبلِ أهْلِكَ ما أحاطَتْ بأصلها حتى تَنْكَسِرَ تَرْقوَتاها هَرَما » .
حدثنا الحسن بن شبيب ، قال : حدثنا محمد بن زياد الجريري ، عن فرات بن أبي الفرات ، عن معاوية بن قُرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ : شَجَرَةٌ غَرَسَها اللّهُ بيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيها مِنْ رَوْحِهِ بالحُلِيّ والحُلَلِ ، وَإنّ أغْصَانَها لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الجَنَةِ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن دراجا حدثه أن أبا الهيثم حدثه ، عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قال له : يا رسول الله ما طوبى ؟ قال : «شَجَرَةٌ فِي الجَنّةِ مَسِيَرةُ مِئَةٍ سَنَةٍ ، ثِيابُ أهْلِ الجَنّةِ تَخْرُجُ مِنْ أكمامِها » .
فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرواية به ، يجب أن يكون القول في رفع قوله : طُوبَى لَهُمْ خلاف القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه . وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طُوبى اسم شجرة في الجنة ، فإذا كان كذلك فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو . وإذا كان ذلك كذلك ، لم يكن في قوله : وَحُسْنُ مآبٍ إلا الرفع عطفا به على «طوبى » .
وأما قوله : وَحُسْنُ مآبٍ فإنه يقول : وحُسن منقلب كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَحُسْنُ مآبٍ قال : حسن منقلب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر بثوابهم، فقال: {الذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم}، يعني: حسنى لهم... {وحسن مئاب}، يعني وحسن مرجع...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ"، الصالحات من الأعمال، وذلك العمل بما أمرهم ربهم، "طُوَبى لَهُمْ"...
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "طُوبَى لَهُمْ"؛
فقال بعضّهم: معناه: نِعْمَ ما لَهم...
وقال آخرون: معناه: غبْطةٌ لهم...
وقال آخرون: معناه: فَرَح وقرّة عين...
وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم... يقول الرجل: طُوَبى لك: أي أصبتَ خيرا.
وقال آخرون: "طُوَبى لَهُمْ "اسم من أسماء الجنة، ومعنى الكلام: الجنة لهم...
وقال آخرون: "طُوَبى لَهُمْ": شجرة في الجنة.
وأما قوله: "وَحُسْنُ مآبٍ" فإنه يقول: وحُسن منقلب...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقال بعضهم: (طوبى) كلمة مدح الله بها ثوابهم، وغبطهم بها. وقال بعضهم: (طوبى) كرامة أعدها الله لأوليائه...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فكأنه أخبر أن الذين يؤمنون بالله ويعترفون بوحدانيته ويصدقون نبيه، ويعملون بما أوجبه عليهم من الطاعات، ويجتنبون ما نهاهم عنه من المعاصي "طوبى لهم"... قال الجبائي: تأنيث الأطيب من صفة الجنة، والمعنى إنها أطيب الأشياء لهم...
قال الزجاج: المعنى: العيش الأطيب لهم...
"وحسن مآب "فالمآب: المرجع يقال: آب يؤب أوبا ومآبا إذا رجع، وسمي المثوى في الآخرة مآبا ومنقلبا لأن العباد يصيرون إليه، كما يصيرون إلى ما كانوا انصرفوا عنه، والحسن: النفع الذي يتقبله العقل، وقد يجري على ما تتقبله النفس، كما يجري القبح الذي هو نقيضه على ما ينافره الطبع، والمعنى: إن لهم طوبى ولهم حسن مآب...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
طابت أوقاتُهم وطابت نفوسُهم. ويقال طوبى لمن قال له الحقُّ: طوبى. طوبى لهم في الحال، وحُسْنُ المآب في المآل...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قلت: والصحيح أنها شجرة؛ للحديث المرفوع الذي ذكرناه، وهو صحيح على ما ذكره السهيلي، ذكره أبو عمر في التمهيد، ومنه نقلناه، وذكره أيضا الثعلبي في تفسيره، وذكر أيضا المهدوي والقشيري عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة).
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب).. طوبى على وزن كبرى من طاب يطيب للتفخيم والتعظيم. وحسن مآب إلى الله الذي أنابوا إليه في الحياة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
طوبى: مصدر من طاب طيباً إذا حَسُن... أي لهم الخير الكامل لأنهم اطمأنت قلوبهم بالذكر، فهم في طيب حال: في الدنيا بالاطمئنان، وفي الآخرة بالنعيم الدائم وهو حسن المئاب وهو مرجعهم في آخر أمرهم.
وإطلاق المآب عليه باعتبار أنه آخرُ أمرهم وقرارهم كما أن قرار المرء بيته يرجع إليه بعد الانتشار منه. على أنه يناسب ما تقرر أن الأرواح من أمر الله، أي من عالم الملكوت وهو عالم الخلد فمصيرها إلى الخلد رجوع إلى عالمها الأول. وهذا مقابل قوله في المشركين {ولهم سوء الدار}.
وطوبى من الشيء الطيب؛ أي: سيلاقون شيئاً طيباً في كل مظاهره: شكلاً ولوناً وطعماً ومزاجاً وشهوة، فكل ما يشتهيه الواحد منهم سيجده طيباً؛ وكأن الأمر الطيب موجوداً لهم. وقول الحق سبحانه: {وحسن مآب} أي: حسن مرجعهم إلى من خلقهم أولاً...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
كثير من المفسّرين قالوا: إنّ كلمة «طوبى» مؤنّث «أطيب»، وبما أنّ المتعلّق محذوف فإنّ للكلمة مفهوماً واسعاً وغير محدود، ونتيجة طوبى لهم هو أن تكون لهم أفضل الأشياء: أفضل الحياة والمعيشة، وأفضل النعم والراحة، وأفضل الألطاف الإلهيّة، وكلّ ذلك نتيجة الإيمان والعمل الصالح لأولئك الراسخين في عقيدتهم والمخلصين في عملهم...