في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ تَرۡجُوٓاْ أَن يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبُ إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرٗا لِّلۡكَٰفِرِينَ} (86)

وما كان فرض القرآن عليك إلا نعمة ورحمة ؛ وما كان يجول في خاطرك أن تكون أنت المختار لتلقي هذه الأمانة . وإنه لمقام عظيم ما كنت تتطلع إليه قبل أن توهبه :

( وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ) . .

وهو تقرير قاطع عن عدم تطلع الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الرسالة ؛ إنما هو اختيار الله . والله يخلق ما يشاء ويختار ، فذلك الأفق أعلى من أن يفكر فيه بشر قبل أن يختاره الله له ويؤهله ليرقاه . وهو رحمة من الله بنبيه وبالبشرية التي اختاره لهدايتها بهذه الرسالة . رحمة توهب للمختارين لا للمتطلعين . ولقد كان من حوله كثيرون في العرب وفي بني إسرائيل يتطلعون إلى الرسالة المنتظرة في آخر الزمان . ولكن الله - وهو أعلم حيث يجعل رسالته - وقد اختار لها من لم يتطلع إليها ولم يرجها ، من دون أولئك الطامعين المتطلعين ، حينما علم منه الاستعداد لتلقي ذلك الفيض العظيم .

ومن ثم يأمره ربه - بما أنعم عليه بهذا الكتاب - ألا يكون ظهيرا للكافرين ؛ ويحذره أن يصدوه عن آيات الله ويمحض له عقيدة التوحيد خالصة في وجه الشرك والمشركين .

( فلا تكونن ظهيرا للكافرين ؛ ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك ؛ وادع إلى ربك ، ولا تكونن من المشركين . ولا تدع مع الله إلها آخر ، لا إله إلا هو . كل شيء هالك إلا وجهه . له الحكم وإليه ترجعون ) . .

إنه الإيقاع الأخير في السورة ، يفصل ما بين رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وطريقه وما بين الكفر والشرك وطريقه . ويبين لأتباع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] طريقهم إلى يوم القيامة . . الإيقاع الأخير ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في طريق هجرته الفاصلة بين عهدين متميزين من عهود التاريخ .

( فلا تكونن ظهيرا للكافرين ) . . فما يمكن أن يكون هناك تناصر أو تعاون بين المؤمنين والكافرين . وطريقاهما مختلفان ، ومنهجاهما مختلفان . أولئك حزب الله ، وهؤلاء حزب الشيطان . فعلام يتعاونان ? وفيم يتعاونان ?

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ تَرۡجُوٓاْ أَن يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبُ إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرٗا لِّلۡكَٰفِرِينَ} (86)

ثم قال تعالى مذكِّرًا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله إليهم : { وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ } أي : ما كنت تظن قبل إنزال الوحي{[22468]} إليك أن الوحي ينزل عليك ، { إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } أي : إنما نزل{[22469]} الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك ، فإذا منحك بهذه النعمة العظيمة { فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا } أي : معينًا { لِلْكَافِرِينَ } [ أي ]{[22470]} : ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم .


[22468]:- في أ : "الذكر".
[22469]:- في ت ، أ : "أنزل".
[22470]:- زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ تَرۡجُوٓاْ أَن يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبُ إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرٗا لِّلۡكَٰفِرِينَ} (86)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كُنتَ تَرْجُوَ أَن يُلْقَىَ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاّ رَحْمَةً مّن رّبّكَ فَلاَ تَكُونَنّ ظَهيراً لّلْكَافِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وما كنت ترجو يا محمد أن ينزل عليك هذا القرآن ، فتعلم الأنباء والأخبار عن الماضين قبلك ، والحادثة بعدك ، مما لم يكن بعدُ ، مما لم تشهده ولا تشهده ، ثم تتلو ذلك على قومك من قريش ، إلاّ أن ربك رحمك ، فأنزله عليك ، فقوله : إلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ استثناء منقطع .

وقوله : فَلا تَكُونَنّ ظَهِيرا للْكافِرِينَ يقول : فاحمَدْ ربك على ما أنعم به عليك من رحمته إياك ، بإنزاله عليك هذا الكتاب ، ولا تكوننّ عونا لمن كفر بربك على كفره به . وقيل : إن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم ، وإن معنى اللام : إن الذي فرض عليك القرآن ، فأنزله عليك ، وما كنت ترجو أن ينزل عليك ، فتكون نبيا قبلَ ذلك ، لرادّك إلى مَعاد .