ثم يرجع إلى نشأة هذا البيت الحرام ، الذي يستبد به المشركون ، يعبدون فيه الأصنام ، ويمنعون منه الموحدين بالله ، المتطهرين من الشرك . . يرجع إلى نشأته على يد إبراهيم - عليه السلام - بتوجيه ربه وإرشاده . ويرجع إلى القاعدة التي أقيم عليها وهي قاعدة التوحيد . وإلى الغرض من إقامته وهو عبادة الله الواحد ، وتخصيصه للطائفين به والقائمين لله فيه :
( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا ، وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود . وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ، ليشهدوا منافع لهم ، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير . ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق . . )
فللتوحيد أقيم هذا البيت منذ أول لحظة . عرف الله مكانه لإبراهيم - عليه السلام - وملكه أمره ليقيمه على هذا الأساس : ألا تشرك بي شيئا فهو بيت الله وحده دون سواه . وليطهره به من الحجيج ، والقائمين فيه للصلاة : ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود )فهؤلاء هم الذين أنشى ء البيت لهم ، لا لمن يشركون بالله ، ويتوجهون بالعبادة إلى سواه .
هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله ، وأشرك به من قريش ، في البقعة التي أسسّتْ من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، فذكر تعالى أنه بَوأ إبراهيم مكانَ البيت ، أي : أرشده إليه ، وسلمه له ، وأذن له في بنائه .
واستدل به كثير ممن قال : " إن إبراهيم ، عليه السلام ، هو أول من بنى البيت العتيق ، وأنه لم يبن قبله " ، كما ثبت في الصحيح{[20136]} عن أبي ذر قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وُضعَ أول ؟ قال : " المسجد الحرام " . قلت : ثم أي ؟ قال : " بيت المقدس " . قلت كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة " {[20137]} .
وقد قال الله تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيم } الآية [ آل عمران : 96 ، 97 ] ، وقال تعالى : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [ البقرة : 125 ] .
وقد قدمنا ذكر ما ورد في بناء البيت من الصحاح والآثار ، بما أغنى عن إعادته هاهنا{[20138]} .
وقال تعالى هاهنا : { أَنْ لا تُشْرِكْ بِي } أي : ابْنه على اسمي وحدي ، { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } قال مجاهد وقتادة : من الشرك ، { لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } أي : اجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له .
فالطائف به معروف ، وهو أخص العبادات عند البيت ، فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها ، { وَالْقَائِمِينَ } أي : في الصلاة ؛ ولهذا قال : { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } فقرن الطواف بالصلاة ؛ لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت ، فالطواف عنده ، والصلاة إليه في غالب الأحوال ، إلا ما استثني من الصلاة عند اشتباه القبلة وفي الحرب ، وفي النافلة في السفر ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.