السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيۡـٔٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (26)

ولما ذكر تعالى الفريقين وجزاء كل وختمه بذكر البيت أتبعه التذكير به فقال تعالى : { وإذ } أي : واذكر إذ { بوأنا لإبراهيم مكان البيت } أي : جعلنا له مكان البيت مبوّأ أي : مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة ، فإنّ البيت رفع إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء فأعلم الله إبراهيم عليه السلام مكانه بريح أرسلها يقال لها : الخجوج كشفت ما حوله فبناه على أسِّهِ القديم ، وقيل : بعث الله تعالى له سحابة بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها رأس يتكلم يا إبراهيم ابن علي دوري فبني عليه ، وعن عطاء بن أبي رباح قال : لما أهبط الله آدم عليه السلام كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع تسبيح أهل السماء ودعاءهم وأنس إليهم فهابت الملائكة منه حتى شكت إلى الله تعالى في دعائها ، وقيل في صلاتها فأخفضه الله تعالى إلى الأرض ، فلما فقدما كان يسمع منهم استوحش وقيل : أوّل من بني البيت إبراهيم لما روى وورد في الصحيحين عن بي ذر قال : «قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أولاً ؟ قال المسجد الحرام ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : بيت المقدس قلت كم بينهما قال أربعون سنة » ثم فسر التبوئة بقوله تعالى : { أن لا تشرك بي شيئاً } فابتدأ بأُسِّ العبادة ورأسها وعطف على النهي قوله تعالى : { وطهر بيتي } أي : عن كل ما لا يليق به من الأوثان والأقذار وطواف عريان به كما كان العرب تفعل { للطائفين } أي : الذين يطوفون بالبيت فإن قيل كيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسير للتبوئة ؟ ( أجيب ) بأنّ التبوئة لما كانت مقصودة من أجل العبادة فكأنه قيل تعبدنا إبراهيم قلنا له لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفتين ، وقال ابن عباس للطائفين بالبيت من غير أهله { والقائمين } أي : المقيمين { والركوع السجود } أي : المصلين من الكل وقال غيره القائمين هم المصلون لأنّ المصلي لا بدّ أن يكون في صلاته جامعاً بين القيام والركوع والسجود ، قال البيضاويّ : ولعله عبر عن الصلاة بأركانها للدلالة على أنّ كل واحد منها مستقل باقتضاء ذلك كيف وقد اجتمعت .