فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيۡـٔٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (26)

{ وإذ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت } أي : واذكر وقت ذلك ، يقال : بوّأته منزلاً وبوّأت له ، كما يقال : مكنتك ومكنت لك . قال الزجاج : معناه : جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم ، ومعنى { بوّأنا } : بيّنا له مكان البيت ، ومثله قول الشاعر :

كم من أخ لي ماجد *** بوّأته بيديّ لحداً

وقال الفراء : إن اللام زائدة ومكان ظرف ، أي أنزلناه فيه { أن لا تشرك بِي شَيْئاً } قيل : إن هذه هي مفسرة لبوّأنا ، لتضمنه معنى تعبدنا ؛ لأن التبوئة هي للعبادة . وقال أبو حاتم : هي مصدرية ، أي لأن لا تشرك بي . وقيل : هي المخففة من الثقيلة ، وقيل : هي زائدة . وقيل : معنى الآية : وأوحينا إليه أن لا تعبد غيري . قال المبرد : كأنه قيل له : وحدني في هذا البيت ، لأن معنى لا تشرك : بي وحدني { وَطَهّرْ بَيْتِيَ } من الشرك وعبادة الأوثان . وفي الآية طعن على ما أشرك من قطان البيت أي : هذا كان الشرط على أبيكم فمن بعده وأنتم فلم تفوا بل أشركتم . وقالت فرقة : الخطاب بقوله : { أَلاَّ تُشْرِكُ } لمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا ضعيف جدّاً . ومعنى { وَطَهّرْ بَيْتِي } : تطهيره من الكفر والأوثان والدماء وسائر النجاسات ، وقيل : عنى به التطهير عن الأوثان فقط ، وذلك أن جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت ، وقد مرّ في سورة براءة ما فيه كفاية في هذا المعنى . والمراد بالقائمين هنا هم : المصلون { و } ذكر { الركع السجود } بعده لبيان أركان الصلاة دلالة على عظم شأن هذه العبادة ، وقرن الطواف بالصلاة ؛ لأنهما لا يشرعان إلا في البيت ، فالطواف عنده والصلاة إليه .

/خ29