فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيۡـٔٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (26)

{ و } اذكر َ { إِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ } يقال بوأته منزلا وبوأت له ، كما يقال مكنتك ومكنت لك ، قال الزجاج : معناه جعلنا { مَكَانَ الْبَيْتِ } مبوأ لإبراهيم ، وقيل معنى بوأنا بينا له ، وقيل وطأنا ، وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان ، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها فكنست مكان البيت فبناه على رأسه القديم وجعل طوله في السماء سبعة أذرع بذراعهم ، وذرعه في الأرض ثلاثين ذراعا بذراعهم ، وأدخل الحجر في البيت ولم يجعل له سقفا ، وجعل له بابا وحفر له بئرا يلقى فيها ما يهدى للبيت وبناه قبله شيث وقبل شيث آدم وقبل آدم الملائكة وقد تقدم الكلام عليه في سورة البقرة .

{ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا } أي أوحينا إليه أن لا تعبد غيري ، قال المبرد : كأنه قيل له وحدني في هذا البيت ، لأن معنى لا تشرك بي وحدني .

وقالت فرقة : الخطاب بقوله : { أَن لَّا تُشْرِكْ } لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا ضعيف جدا .

{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } من الشرك والأقذار وعبادة الأوثان ، وفي الآية طعن على أن من أشرك من قطان البيت ، أي هذا كان الشرط على أبيكم فمن بعده ، وأنتم فلم تفوا بل أشركتم . والمعنى تطهيره من الكفر والأوثان والدماء والبدع وسائر النجاسات .

وقيل : عنى به التطهير عن الأوثان فقط ، وذلك أن جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت وحوله قبل أن يبنيه إبراهيم ، وقيل المعنى نزهه أن يعبد فيه صنم ، وهذا أمر بإظهار التوحيد فيه ، وقد مر في سورة براءة ما فيه كفاية في هذا المعنى .

{ لِلطَّائِفِينَ } الذين يطوفون بالبيت { وَالْقَائِمِينَ } هم المصلون { و } ذكر قوله : { الرُّكَّعِ السُّجُودِ } بعده لبيان أركان الصلاة دلالة على عظم شأن هذه العبادة ، وقرن الطواف بالصلاة لأنهما لا يشرعان إلا في البيت ، كالطواف عنده والصلاة عليه .