الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيۡـٔٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (26)

قوله تعالى ذكره : { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت }[ 24 ] . إلى قوله : { من كل فج عميق }[ 25 ] .

أي : واذكر يا محمد إذ وطأنا لإبراهيم ومكنا له مكان البيت . وبوأ{[46800]} تتعدى إلى مفعولين ، ولكن دخلت اللام في إبراهيم حملا على معنى : جعلنا لإبراهيم{[46801]} .

وقيل : اللام متعلقة{[46802]} بالمصدر ، أي : واذكر تبويئنا لإبراهيم .

وقال الفراء{[46803]} : اللام زائدة مثل { ردف لكم }{[46804]} .

وقوله : { أن لا تشرك بي } ( أن ) بمعنى : أي .

وقيل{[46805]} : التقدير : بأن لا تشرك .

وقيل{[46806]} : أن زائدة . مثل { فلما أن جاء البشير }{[46807]} .

فالتقدير : واذكر يا محمد نعم الله على قومك وحسن بلائه عندهم ، وهم يعبدون غيره ، فمما يجب أن يذكر إذ مكنا لأبيك إبراهيم مكان البيت .

قال قتادة{[46808]} : وضع الله البيت مع آدم حين اهبط إلى الأرض ، وكان مهبطه بأرض الهند ، وكان رأسه في السماء ، ورجلاه في الأرض ، فكانت الملائكة تهابه فنقض إلى ستين ذراعا . وإن آدم إذ فقد أصواب الملائكة وتسبيحهم ، شكا ذلك إلى الله فقال الله عز وجل : يا آدم ، إني قد أهبطت لك بيتا يطاف به كما يطاف حول عرشي ويصلى عنده كما يصلى عند العرش فانطلق إليه . فخرج آدم ومد له في خطوه فكان بين كل خطوتين مفازة ، فلم تزل تلك المفاوز على ذلك ، فأتى آدم البيت ، فطاف به ومن بعده من الأنبياء .

وقال السدي{[46809]} : لما عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل ( أن طهرا بيتي للطائفين ) انطلق إبراهيم حتى أتى مكة ، فقام هو وإسماعيل ، فأخذ المعاول لا يدريان أين البيت ، فبعث الله ريحا يقال لها الخجوج ، لها جناحان ورأس{[46810]} في صورة حية ، فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول ، واتبعاها بالمعاول يحفران{[46811]} حتى وضع الأساس ، فذلك حين يقول : ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ) .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أقبل إبراهيم من أرمينية{[46812]} ومعه السكينة تدله على البيت حتى تبوأ البيت كما تبوأ العنكبوت بيتا وكان يحمل الحجر من الحجارة يطيقة ولا يطيقه ثلاثون رجلا .

وقال كعب الأحبار{[46813]} : كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين سنة . ومنه دحيت الأرض .

وقوله تعالى : { أن لا تشرك بي شيئا } أي : عهدنا إليه ألا يشرك في عبادة الله{[46814]}/ .

{ وطهر بيتي للطائفين } أي : طهره من عبادة الأوثان .

قال مجاهد{[46815]} : طهره من الشرك .

وقال عبيد بن عمير{[46816]} : من الآفات والريب .

وقال قتادة{[46817]} : من الشرك وعبادة الأوثان{[46818]} .

وقيل : طهراه من ذبائح المشركين ، وما كانوا يطرحون حوله من الدماء والفرث والأقذار ، وكانوا يطرحون ذلك حول البيت .

وقيل : معناه : طهراه من دخول المشركين إياه{[46819]} ، ومن إظهار شركهم فيه .

فأمرهما بتطهير البيت من جميع ذلك لمن يطوف ويقوم بأمره من المؤمنين ، ولمن يصلي بحضرته ( والطائفون ) الذين يطوفون به ، ( والقائمون ) المصلون قياما . ( والركع السجود ) ، يعني في صلاتهم حول البيت .


[46800]:ز: هو. (تحريف).
[46801]:انظر: مشكل الأعراب 2/491 والبيان في غريب إعراب القرآن 2/173.
[46802]:ز: معلقة.
[46803]:انظر: معاني القراء 2/223.
[46804]:النمل آية 74.
[46805]:انظر: غريب إعراب القرآن 2/174.
[46806]:انظر: المصدر السابق.
[46807]:يوسف: 96.
[46808]:انظر: جامع البيان 17/142 والدر المنثور 4/353.
[46809]:انظر: جامع البيان 17/143 والدر المنثور 4/353.
[46810]:ز: رأسان.
[46811]:يحفران سقطت من ز.
[46812]:أرمينية اسم لصقع عظيم واسع في جهة الشمال. انظر: معجم البلدان 1/160.
[46813]:انظر: الدر المنثور 4/353.
[46814]:ز: عبادته إليه.
[46815]:انظر: جامع البيان 17/143 وتفسير ابن كثير 3/216.
[46816]:انظر: جامع البيان 17/143.
[46817]:انظر: جامع البيان 17/143 وتفسير ابن كثير 3/216.
[46818]:قوله: (قال مجاهد...الأوثان ساقط من ز.
[46819]:قوله: (وما كانوا يطرحون حوله...المشركين) ساقط من ز.