نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيۡـٔٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (26)

ولما ذكر الفريقين وجزاء كل وختمه بذكر البيت ، أتبعه التذكير به وبحجه ، لما فيه من التذكير بالقيامة الحاملة على التقوى التي هي مقصد السورة ، بما فيه من الوفادة على الله ، مع التجرد من المخيط ، والخضوع للرب ، والاجتماع في المشاعر موقفاً في أثر موقف ، ولما فيه من الحث على التسنن بأبيهم الأعظم إبراهيم عليه السلام فقال ، مقرعاً وموبخاً لمن أشرك في نفعه " أسست على التوحيد من أول يوم " عطفاً على قوله أول السورة { اتقوا } { وإذ } أي واذكروا إذ { بوأنا } بما لنا من العظمة ، ولما لم يجعله سبحانه سكنه بنفسه ، قصر الفعل عن التعدية إلى مفعوله الأول فقال : { لإبراهيم } أي قدرنا له { مكان البيت } أي الكعبة وجعلناه له مباءة ، أي منزلاً يبوء إليه أي يرجع ، لأنه - لما نودعه فيه من اللطائف - أهل لأن يرجع إليه من فارقه ويحن إليه ، ويشتاق من باعده وينقطع إليه بعض ذريته ، من المباءة بمعنى المنزل ، وبوأه إياه وبوأه له ، أي أنزله ، قال في ترتيب المحكم : وقيل : هيأته ومكنت له فيه . ويدل على أن إبراهيم عليه السلام أول بان للبيت ما في الصحيح " عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ! أي مسجد وضع أول ؟ قال :المسجد الحرام ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : بيت المقدس ، قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون سنة " ولما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام نبياً ، كان من المعلوم أن نبوته له لأجل العبادة ، فكان المعنى : قلنا له : أنزل أهلك هاهنا وتردد إلى هذا المكان للعبادة ، فذلك فسره بقوله : { أن لا تشرك بي شيئاً } فابتدأ بأسّ العبادة ورأسها ، وعطف على النهي قوله : { وطهر بيتي } عن كل ما لا يليق به من قذر حسي ومعنوي من شرك ووثن وطواف عريان به ، كما كانت العرب تفعل { للطائفين } به .

ولما تقدم العكوف فاستغنى عن إعادته ، قال : { والقائمين } أي حوله تعظيماً لي كما يفعل حول عرشي ، أو في الصلاة ، ولأن العكوف بالقيام أقرب إلى مقصود السورة . { والركع } ولما كان كل من الطواف والقيام عبادة برأسه ، ولم يكن الركوع والسجود كذلك ، عطف ذاك ، واتبع هذا لما بينهما من كمال الاتصال ، إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر في الصلاة فقال : { السجود* } أي المصلين صلاة أهل الإسلام الأكمل