ثم يبين الله كيف يقابل المؤمنون هذه الحال الواقعة من المشركين :
( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ، ونفصل الآيات لقوم يعلمون . وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) . .
إن المسلمين يواجهون أعداء يتربصون بهم ؛ ولا يقعد هؤلاء الأعداء عن الفتك بالمسلمين بلا شفقة ولا رحمة إلا عجزهم عن ذلك . لا يقعدهم عهد معقود ، ولا ذمة مرعية ، ولا تحرج من مذمة ، ولا إبقاء على صلة . . ووراء هذا التقرير تاريخ طويل ، يشهد كله بأن هذا هو الخط الأصيل الذي لا ينحرف إلا لطارئ زائل ، ثم يعود فيأخذ طريقه المرسوم !
هذا التاريخ الطويل من الواقع العملي ؛ بالإضافة الى طبيعة المعركة المحتومة بين منهج الله الذي يخرج الناس من العبودية للعباد ويردهم إلى عبادة الله وحده ، وبين مناهج الجاهلية التي تعبد الناس للعبيد . . يواجهه المنهج الحركي الإسلامي بتوجيه من الله سبحانه ، بهذا الحسم الصريح :
( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون )
فإما دخول فيما دخل فيه المسلمون ، وتوبة عما مضى من الشرك والاعتداء . وعندئذ يصفح الإسلام والمسلمون عن كل ما لقوا من هؤلاء المشركين المعتدين ؛ وتقوم الوشيجة على أساس العقيدة ، ويصبح المسلمون الجدد إخوانا للمسلمين القدامى ؛ ويسقط ذلك الماضي كله بمساءاته من الواقع ومن القلوب !
( ونفصل الآيات لقوم يعلمون ) . .
فهذه الأحكام إنما يدركها ويدرك حكمتها الذين يعلمون وهم المؤمنين .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن أبي بكر ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فارق الدنيا على الإخلاص لله وعبادته ، لا يشرك{[13276]} به ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، فارقها والله عنه راض ، وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم ، قبل هَرْج الأحاديث واختلاف الأهواء " . وتصديق ذلك في كتاب الله : { فَإِنْ تَابُوا } يقول : فإن خلعوا الأوثان وعبادتها { وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } وقال في آية أخرى : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ }
ثم قال البزار : آخر الحديث عندي والله أعلم : " فارقها وهو عنه راض " ، وباقيه عندي من كلام الربيع بن أنس{[13277]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.