اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (11)

قوله تعالى : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين } .

لمَّا بيَّن تعالى حال من لا يرقبُ في الله إلاًّ ولا ذمَّةً ، وينقض العَهْدَ ، ويتعدَّى ما حُدّ له . بيَّن بعده أنهم إن تابوا ، وأقاموا الصَّلاة ، وآتوا الزكاة ، فهم : { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين } .

فإن قيل : المعلق على الشيء بكلمة " إنْ " عدم عند عدم ذلك الشيء ، فهذا يقتضي أنَّهُ متى لم توجد هذه الثلاثة ، ولا تحصل الأخوة في الدِّين ، وهو مُشْكلٌ ؛ لأنَّه ربَّما كان فقيراً ، أو كان غنيّاً ، لكن قبل انقضاءِ الحول ، لا تلزمه الزكاة .

فالجوابُ : أنَّه قد تقدَّم في تفسير قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } [ النساء : 31 ] أن المعلق على الشَّيء بكلمة " إن " لا يلزم منه عدم ذلك الشَّيء ، كذلك ههنا ، ومن النَّاس من قال : إنَّ المعلق على الشَّيء بكلمة " إنْ " عدم عند عدم ذلك الشيء ، فها هنا قال : المؤاخاة بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة جميعاً ، فإنَّ الله شرطها في إثبات المؤاخاة ، ومنْ لمْ يكن أهلاً لوجوب الزكاة عليه ؛ وجب عليه أن يقرَّ بحكمها فإذا أقرَّ بهذا الحكم دخل في الشَّرط الذي به تجبُ الأخوة .

قوله : فإِخوَانُكُم خبرُ مبتدأ محذوف ، أي : فهم إخوانكم ، والجملةُ الاسمية في محلِّ جزمٍ على جواب الشرط ، وفِي الدِّينِ متعلِّقٌ ب " إخْوانُكُمْ " لِمَا فيه من معنى الفعل .

فصل

قال أبو حاتم " قال أهل البصرة أجمعون : الإخوة في النَّسب ، والإخوان في الصَّداقة " . وهذا غلطٌ ، يقال للأصدقاء وغير الأصدقاء إخوة ، وإخوان ، قال الله تعالى { إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] ولم يَعْنِ النَّسبَ ، وقال تعالى : { أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ } [ النور : 61 ] وهذا في النسب .

قال ابن عبَّاسٍ : " حرمت هذه الآية دماء أهل القبلةِ " {[17623]} ومعنى قوله : " فَإِخْوَانُكُمْ " أي : فهم إخوانكم " فِي الدين " لهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم ، قال ابنُ مسعودٍ " أمرتم بالصَّلاةِ والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له " {[17624]} .

وروى أبو هريرة قال : لمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب فقال عمرُ : كيف تقاتل النَّاس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمِرْتُ أنْ أقاتل النَّاس حتَّى يقُولُوا لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، فمَنْ قَالهَا فقد عَصَمَ منِّي مالهُ ونَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّها وحِسابُهُ على اللهِ " فقال : والله لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعه ، قال عمر : " فوالله ما هو إلاَّ أن شرح الله صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحقّ " {[17625]} .

قوله { وَنُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قال الزمخشريُّ : وهذا اعتراض واقع بين الكلامين ، والمقصود : الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها .


[17623]:أخرجه الطبري في "تفسيره (6/328) وذكره البغوي في "تفسيره" (2/271) والرازي في "التفسير الكبير" (15/186).
[17624]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/328) وذكره البغوي في "تفسيره" (2/271).
[17625]:تقدم.