قوله تعالى : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين } .
لمَّا بيَّن تعالى حال من لا يرقبُ في الله إلاًّ ولا ذمَّةً ، وينقض العَهْدَ ، ويتعدَّى ما حُدّ له . بيَّن بعده أنهم إن تابوا ، وأقاموا الصَّلاة ، وآتوا الزكاة ، فهم : { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين } .
فإن قيل : المعلق على الشيء بكلمة " إنْ " عدم عند عدم ذلك الشيء ، فهذا يقتضي أنَّهُ متى لم توجد هذه الثلاثة ، ولا تحصل الأخوة في الدِّين ، وهو مُشْكلٌ ؛ لأنَّه ربَّما كان فقيراً ، أو كان غنيّاً ، لكن قبل انقضاءِ الحول ، لا تلزمه الزكاة .
فالجوابُ : أنَّه قد تقدَّم في تفسير قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } [ النساء : 31 ] أن المعلق على الشَّيء بكلمة " إن " لا يلزم منه عدم ذلك الشَّيء ، كذلك ههنا ، ومن النَّاس من قال : إنَّ المعلق على الشَّيء بكلمة " إنْ " عدم عند عدم ذلك الشيء ، فها هنا قال : المؤاخاة بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة جميعاً ، فإنَّ الله شرطها في إثبات المؤاخاة ، ومنْ لمْ يكن أهلاً لوجوب الزكاة عليه ؛ وجب عليه أن يقرَّ بحكمها فإذا أقرَّ بهذا الحكم دخل في الشَّرط الذي به تجبُ الأخوة .
قوله : فإِخوَانُكُم خبرُ مبتدأ محذوف ، أي : فهم إخوانكم ، والجملةُ الاسمية في محلِّ جزمٍ على جواب الشرط ، وفِي الدِّينِ متعلِّقٌ ب " إخْوانُكُمْ " لِمَا فيه من معنى الفعل .
قال أبو حاتم " قال أهل البصرة أجمعون : الإخوة في النَّسب ، والإخوان في الصَّداقة " . وهذا غلطٌ ، يقال للأصدقاء وغير الأصدقاء إخوة ، وإخوان ، قال الله تعالى { إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] ولم يَعْنِ النَّسبَ ، وقال تعالى : { أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ } [ النور : 61 ] وهذا في النسب .
قال ابن عبَّاسٍ : " حرمت هذه الآية دماء أهل القبلةِ " {[17623]} ومعنى قوله : " فَإِخْوَانُكُمْ " أي : فهم إخوانكم " فِي الدين " لهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم ، قال ابنُ مسعودٍ " أمرتم بالصَّلاةِ والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له " {[17624]} .
وروى أبو هريرة قال : لمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب فقال عمرُ : كيف تقاتل النَّاس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمِرْتُ أنْ أقاتل النَّاس حتَّى يقُولُوا لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، فمَنْ قَالهَا فقد عَصَمَ منِّي مالهُ ونَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّها وحِسابُهُ على اللهِ " فقال : والله لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعه ، قال عمر : " فوالله ما هو إلاَّ أن شرح الله صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحقّ " {[17625]} .
قوله { وَنُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قال الزمخشريُّ : وهذا اعتراض واقع بين الكلامين ، والمقصود : الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.