مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (11)

قوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون }

اعلم أنه تعالى لما بين حال من لا يرقب في الله إلا ولا ذمة ، وينقض العهد وينطوي على النفاق ويتعدى ما حد له ، بين من بعد أنهم إن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كيف حكمهم ، فجمع ذلك الشيء بقوله : { فإخوانكم في الدين } وهو يفيد جملة أحكام الإيمان ، ولو شرح لطال .

فإن قيل : المعلق على الشيء بكلمة { إن } عدم عند عدم ذلك الشيء ، فهذا يقتضي أنه متى لم توجد هذه الثلاثة لا يحصل الأخوة في الدين ، وهو مشكل لأنه ربما كان فقيرا ، أو إن كان غنيا ، لكن قبل انقضاء الحول لا تلزمه الزكاة .

قلنا : قد بينا في تفسير قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } أن المعلق على الشيء بكلمة { إن } لا يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء ، فزال هذا السؤال ، ومن الناس من قال المعلق على الشيء بكلمة { إن } عدم عند عدم ذلك الشيء ، ( فههنا ) قال المؤاخاة بالإسلام بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة جميعا ، فإن الله تعالى شرطها في إثبات المؤاخاة ، ومن لم يكن أهلا لوجوب الزكاة عليه ، وجب عليه أن يقر بحكمها ، فإذا أقر بهذا الحكم دخل في الشرط الذي به تجب الأخوة ، وكان ابن مسعود يقول رحم الله أبا بكر ما أفقهه في الدين ، أراد به ما ذكره أبو بكر في حق مانعي الزكاة ، وهو قوله والله لا أفرق بين شيئين جمع الله بينهما بقي في قوله : { فإخوانكم في الدين } بحثان : الأول : قوله : { فإخوانكم } قال الفراء معناه ، فهم إخوانكم بإضمار المبتدأ كقوله تعالى : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم } أي فهم إخوانكم . الثاني : قال أبو حاتم : قال أهل البصرة أجمعون الأخوة في النسب والأخوان في الصداقة ، وهذا غلط يقال للأصدقاء ، قال الله تعالى : { أو بيوت إخوانكم } وهذا في النسب . قال ابن عباس : حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة .

ثم قال : { ونفصل الآيات لقوم يعلمون } قال صاحب «الكشاف » : وهذا اعتراض وقع بين الكلامين ، والمقصود الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين ، وعلى المحافظة عليها .