تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (11)

وقوله تعالى : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) قال بعض أهل التأويل : أنظروا إلى كرم ربكم وجوده : قوم قد افتروا على الله كذبا ، وكذبوا رسول الله ، وهموا بقتله وإخراجه من بين أظهرهم ، وطعنوا في دينهم ، وعملوا كل بلية من نصب الحروب والقتال في ما بينهم ، ثم إنه وعد لهم بالتوبة المغفرة والتجاوز عما كان منهم بقوله : ( إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف )[ الأنفال : 38 ] وجعل في ما بينهم الأخوة والمودة بقوله : ( بإخوانكم في الدين ) وقوله[ في الأصل وم : وقال ] : ( وجعل بينكم مودة ورحمة )[ الروم : 21 ] وقوله : ( إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )[ آل عمران : 103 ] وغير ذلك من الآيات .

وفيه : إن كان له بمكان آخر ذنب أو جفاء ، فإذا رجع عن ذلك ، وتاب ، لزمه أن يتجاوز عنه ، وألا يذكر بعد ذلك ما كان منه [ من ][ ساقطة من الأصل ] الذنب على ما جعل الله في ما بين هؤلاء الأخوة والمودة إذا تابوا ، وقال : ( فإخوانكم من الدين ) وقد كان منهم ما كان ، ومن حق الأخوة ألا يذكر ما كان منهم من المساوئ .

ثم قوله تعالى : ( فإن تابوا ) من الشرك وما كان منهم ، وقوله تعالى : ( وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) يحتمل قوله : ( وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وجهين :

تحتمل الصلاة : المعروفة ، والزكاة : المعروفة زكاة المال ، وهو ما ذكرنا في ما تقدم من الإقرار لهما والاعتقاد والقبول لذلك دون فعلهما ، وهو في الكبراء والقادة الذين كانوا يأنفون عن الخضوع لأحد ، ولا يؤدون الزكاة ، ولا يتصدقون لما ظنوا أنهم يخلدون في الدنيا إشفاقا على أنفسهم .

ويحتمل أن يكون المراد من الصلاة والزكاة الخضوع والخشوع لا الصلاة المعروفة ، والمراد من الزكاة زكاة النفس وإصلاحها . فإن كان هذا فهو لازم في الأوقات كلها ؛ ما من وقت إلا وله على كل أحد خضوع لأحد ، ولا يؤدون الزكاة ، ولا يتصدقون لما ظنوا أنهم يخلدون في الدنيا إشفاقا على أنفسهم .

ويحتمل أن يكون المراد من الصلاة والزكاة الخضوع والخشوع لا الصلاة المعروفة ، والمراد من الزكاة زكاة النفس وإصلاحها . فإن كان هذا فهو لازم في الأوقات كلها ؛ ما من وقت إلا وله على أحد الخضوع والخشوع له ، [ وأن ][ في الأصل وم : و ] يزكي نفسه ، ويصلحها ، وهو كقوله : ( قد أفلح من زكاها )[ الشمس : 9 ] .

وقوله تعالى : ( وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) أي نبين الآيات ( لقوم يعلمون ) ينتفعون بعلمهم . ويحتمل ( لقوم يعلمون ) أي لقوم إذا نظروا فيها ، وتدبروا ( يعلمون ) لا لقوم لا يعلمون .