في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

هذه الآلاء التي أفاضها الله على جنس الإنسان في خاصة نفسه ، وفي صميم تكوينه ، والتي من شأنها أن تعينه على الهدى : عيناه بما تريان في صفحات هذا الكون من دلائل القدرة وموحيات الإيمان ؛ وهي معروضة في صفحات الكون مبثوثة في حناياه . ولسانه وشفتاه وهما أداة البيان والتعبير ؛ وعنهما يملك الإنسان أن يفعل الشيء الكثير . والكلمة أحيانا تقوم مقام السيف والقذيفة وأكثر ؛ وأحيانا تهوي بصاحبها في النار كما ترفعه أو تخفضه . في هذه النار . . " عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في سفر ، فأصبحت يوما قريبا منه ، ونحن نسير ، فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني عن النار . قال : سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت . ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ? قلت : بلى يا رسول الله . قال : الصوم جنة . والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين ، ثم تلا قوله تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع . . . . . )ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ? قلت : بلى يا رسول الله . قال : رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد . ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ? قلت : بلى يا رسول الله . قال : كف عليك هذا ، وأشار إلى لسانه . قلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ? قال : ثكلتك أمك ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال : على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ? " رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة .

وهدايته إلى إدراك الخير والشر ، ومعرفة الطريق إلى الجنة والطريق إلى النار ، وإعانته على الخير بهذه الهداية . هذه الآلاء كلها لم تدفع هذا " الإنسان " إلى اقتحام العقبة التي تحول بينه وبين الجنة . هذه العقبة التي يبينها الله له في هذه الآيات :

فلا اقتحم العقبة . . وما أدراك ما العقبة ? فك رقبة . أو إطعام في يوم ذي مسغبة ، يتيما ذا مقربة ، أو مسكينا ذا متربة . ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة . أولئك أصحاب الميمنة . .

هذه هي العقبة التي يقتحمها الإنسان - إلا من استعان بالإيمان - هذه هي العقبة التي تقف بينه وبين الجنة . لو تخطاها لوصل ! وتصويرها كذلك حافز قوي ، واستجاشة للقلب البشري ، وتحريك له ليقتحم العقبة وقد وضحت ووضح معها أنها الحائل بينه وبين هذا المكسب الضخم . . ( فلا اقتحم العقبة ) ! ففيه تحضيض ودفع وترغيب !

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

{ فلا اقتحم العقبة } أي فلا اكتسب ذلك الإنسان بماله الكثير الأعمال العظيمة التي لها عند الله رفعة ومنزلة ؛ وهي فك رقبة أو إطعام يتيم أو مسكين ، بدل إنفاقها رياء وسمعة فيما لا يعتد به من الأعمال . أو في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم – ولا آمن بالله . والاقتحام في الأصل : الدخول في الشيء بسرعة وشدة من غير رؤية . يقال : قحم في الأمر قحوما – من باب نصر - ، رمى بنفسه فيه من غير

روية . والعقبة في الأصل : الطريق الوعر في الجبل ؛ استعيرت للأعمال المذكورة لصعوبتها على النفوس . واقتحامها : فعلها وتحصيلها والدخول فيها . وقيل : العقبة النار أو جبل فيها . واقتحامها : مجاوزتها بمجاهدة النفس في طاعة الله في الدنيا . أو هي الصراط على متن جهنم ؛ واقتحامها : المرور والجواز عليه بسرعة . أي فلا فعل ما ينجو به ويجوز بسببه العقبة الكئود يوم القيامة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

قوله تعالى : { فلا اقتحم العقبة 11 وما أدراك ما العقبة 12 فكّ رقبة 13 أو إطعام في يوم ذي مسغبة 14 يتيما ذا مقربة 15 أو مسكينا ذا متربة 16 ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصو بالمرحمة 17 أولئك أصحاب الميمنة 18 والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة 19 عليهم نار موصدة }

العقبة في اللغة ، مرتقى صعب من الجبال{[4818]} والمعنى أن الإنسان المفرط لم يسلك طريق الخير والنجاة ولم يشكر الله بما أنعم عليه من جزيل الأيادي – باقتحام العقبة وهو الدخول في شدائد الأمور ومجاوزتها .


[4818]:القاموس المحيط ص 149.