في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

والنفس حين تعرف - بعد هذا التشويق والإيقاظ - أن الوسواس الخناس يوسوس في صدور الناس خفية وسرا ، وأنه هو الجنة الخافية ، وهو كذلك الناس الذين يتدسسون إلى الصدور تدسس الجنة ، ويوسوسون وسوسة الشياطين . . النفس حين تعرف هذا تتأهب للدفاع ، وقد عرفت المكمن والمدخل والطريق !

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

{ الذي يوسوس في صدور الناس } يلقى فيها في خفية ما يضلها عن سبيل الحق ، ويكون سبب شقائها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله : { الّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ } يعني بذلك : الشيطان الوسواس ، الذي يوسوس في صدور الناس : جنهم وإنسهم .

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وسوسة الشيطان هي الدعاء إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل ، أو يقع في النفس من أمر متوهم ، ومنه الموسوس إذا غلب عليه الوسوسة ، لما يعتريه من المسرة ، وأصله الصوت الخفي ،

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

صفة ثالثة للشيطان ، فذكر وسوسته أولا ، ثم ذكر محلها ثانيا ، وأنها في صدور الناس ثالثا . وقد جعل الله للشيطان دخولا في جوف العبد ، ونفوذا إلى قلبه وصدره ، فهو يجري منه مجرى الدم ، وقد وكل بالعبد ، فلا يفارقه إلى الممات ....

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ الذي يوسوس } أي يلقي المعاني الضارة على وجه الخفاء والتكرير ، بحيث تصل مفاهيمها من غير سماع ، وأشار إلى كثرة وسوسته بذكر الصدر الذي هو ساحة القلب ومسكنه ، فقال : { في صدور الناس } أي المضطربين إذا غفلوا عن ذكر ربهم ، فإنها دهاليز القلوب ، منها تدخل الواردات إليها ... والناس قال في القاموس : يكون من الإنس ومن الجن ، جمع إنس ، أصله أناس جمع عزيز أدخل عليه أل انتهى ، ولعل إطلاقه على هذين المتقابلين بالنظر إلى النوس الذي أصله الاضطراب والتذبذب ، فيكون منحوتاً من الأصلين : الإنس والنوس ، ومن ثالث وهو النسيان .

مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لابن باديس 1359 هـ :

يوسوس بالمضارع إشعارا بتجدد الوسوسة منه ، وعدم انقطاعها . وقال : { في صدور الناس } والصدر ملتقى حنايا الأضلع ، ومستودع القوى التي كان الإنسان إنسانا بها ....فالقلب غير الصدر ، وإنما هو فيه ، وذلك قال : { ولكن تعمى القلوب في الصدور } . الصدر ليس ماديا فقط : ومواقع استعمال القرآن لكلمة الصدر مفردا وجمعا والحكم عليها بالشرح ، والحرج ، والضيق ، والشفاء ، والإخفاء ، والإكنان ، ترشدنا إلى أنه ليس المراد منه الصورة المادية ، ولا أجزاءها المادية ، وإنما المراد القوى النفسية المستودعة فيه ، وأن الوسواس الخناس ، يوجه كيده ووسوسته دائما إلى هذه القلعة التي هي الصدر ؛ لأنها مجمع القوى . وقال : { في صدور الناس } ، ولم يقل في قلوب الناس ؛ لأن القلب مجلى العقل ، ومقر الإيمان ، وقد يكون محصنا بالإيمان فلا يستطيع الوسواس أن يظهره ، ولا يستطيع له نقبا ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ووُصِفَ { الوسواس الخناس } ب { الذي يوسوس في صدور الناس } لتقريب تصوير الوسوسة كي يتقيها المرء إذا اعترته لخفائها ، وذلك بأن بُيِّنَ أنَّ مكان إلقاء الوسوسة هو صدور الناس وبواطنهم فعبّر بها عن الإِحساس النفسي كما قال تعالى : { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [ الحج : 46 ] وقال تعالى : { إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } [ غافر : 56 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الإثم ما حاك في الصدر وتردَّد في القلب " فغاية الوسواس من وسوسته بثّها في نفس المغرور والمشبوككِ في فخّه ، فوسوسة الشياطين اتصالاتُ جاذبيه النفوس نحو دَاعية الشياطين . وقد قرَّبها النبي صلى الله عليه وسلم في آثار كثيرة بأنواع من التقريب منها : « أنها كالخراطيم يمدها الشيطان إلى قلب الإِنسان » وشبهها مرة بالنفث ، ومرة بالإِبْسَاس . وفي الحديث : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما " .

وإطلاق فعل { يوسوس } على هذا العمل الشيطاني مجاز إذ ليس للشيطان كلام في باطن الإِنسان . وأما إطلاقه على تسويل الإِنسان لغيره عملَ السوء فهو حقيقة . وتعلّق المجرور من قوله : { في صدور الناس } بفعل { يوسوس } بالنسبة لوسوسة الشيطان تعلق حقيقي ، وأما بالنسبة لوسوسة الناس فهو مجاز عقلي لأن وسوسة الناس سبب لوقوع أثرها في الصدور فكان في كلِّ من فعل { يوسوس } ومتعلِّقه استعمال اللفظين في الحقيقة والمجاز .

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ } فقد يكون الوسواس الخناس من الجنّ الذين قد يزيّنون للإنسان الكفر والمعصية والضلال في ما حدّثنا الله عنه في القرآن من حركة الشيطان في حياة الإنسان ، ولكنه لا يملك السيطرة على الإنسان الذي يلتفت إلى نفسه ، وينفتح على ربه ، وذلك في ما كرّره الله من قوله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الحجر : 42 ] ، ولكن كيف يوسوس الشيطان للإنسان ، وكيف يدخل إلى عقله وإحساسه وحياته ؟ إننا لم نجد وسيلةً لنتعرف إلى ذلك بطريقة مادية ، ولكننا نعيش النتائج في أنفسنا ، من خلال حركته في الفكر والإحساس والوجدان . وقد يكون هذا الوسواس الخنّاس من الإنس الذين يعيشون مع الإنسان ، ويملكون بعض التأثير عليه ، من خلال علاقات المزاج أو القرابة أو الصداقة أو المصلحة أو الشهوة أو السلطان ونحو ذلك ، فيستغلّون الجانب العاطفي أو الغريزيّ ، أو الضعف الذاتي ، للنفاذ إلى داخل شخصيته من أجل إغوائه وإغرائه وتوجيهه إلى مواقع الضلال . ...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

قوله تعالى : { الذي يوسوس في صدور الناس }

قال مقاتل : إن الشيطان في صورة خنزير ، يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق ، سلطه الله على ذلك ، فذلك قوله تعالى : { الذي يوسوس في صدور الناس } . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " . وهذا يصحح ما قاله مقاتل .

وروى شهر بن حوشب عن أبي ثعلبة الخشني قال : سألت الله أن يريني الشيطان ومكانه من ابن آدم فرأيته ، يداه في يديه ، ورجلاه في رجليه ، ومشاعبه في جسده ، غير أن له خَطْما كخَطْمِ الكلب ، فإذا ذكر الله خنس ونكس ، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه . فعلى ما وصف أبو ثعلبة ، أنه متشعب في الجسد ، أي في كل عضو منه شعبة .

وروي عن عبد الرحمن بن الأسود أو غيره من التابعين أنه قال - وقد كبر سنه - : ما أمنت الزنى ، وما يؤمنني أن يدخل الشيطان ذكره فيوتده ! فهذا القول ينبئك أنه متشعب في الجسد ، وهذا معنى قول مقاتل .

ووسوسته : هو الدعاء لطاعته بكلام خفي ، يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

{ الذي يوسوس في صدور الناس } وسوسة الشيطان في صدر الإنسان بأنواع كثيرة : منها إفساد الإيمان ، والتشكيك في العقائد ، فإن لم يقدر على ذلك أمره بالمعاصي ، فإن لم يقدر على ذلك ثبطه عن الطاعات ، فإن لم يقدر على ذلك أدخل عليه الرياء في الطاعات ليحبطها ، فإن سلم من ذلك أدخل عليه العجب بنفسه ، واستكثار عمله ، ومن ذلك أنه يوقد في القلب نار الحسد والحقد والغضب ، حتى يقود الإنسان إلى شر الأعمال ، وأقبح الأحوال ، وعلاج وسوسته بثلاثة أشياء :

واحدها : الإكثار من ذكر الله .

وثانيها : الإكثار من الاستعاذة بالله منه ، ومن أنفع شيء في ذلك قراءة هذه السورة .

وثالثها : مخالفته والعزم على عصيانه .

فإن قيل : لم قال : { في صدور الناس } ولم يقل : في قلوب الناس ؟ فالجواب أن ذلك إشارة إلى عدم تمكن الوسوسة/ وأنها غير حالة في القلب ؛ بل هي محومة في الصدر حول القلب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ} (5)

ولما ذكر صفة المستعاذ منه ، ذكر إبرازه لصفته بالفعل فقال : { الذي يوسوس } أي يلقي المعاني الضارة على وجه الخفاء والتكرير ، بحيث تصل مفاهيمها من غير سماع ، وأشار إلى كثرة وسوسته بذكر الصدر الذي هو ساحة القلب ومسكنه ، فقال : { في صدور الناس * } أي المضطربين إذا غفلوا عن ذكر ربهم ، فإنها دهاليز القلوب ، منها تدخل الواردات إليها ، وذلك كالقوة الوهمية ، فإن العقل يساعد في المقدمات الحقة المنتجة للأمر المقطوع به ، فإذا وصل الأمر إلى ذلك خنست الواهمة ريثما يفتر العقل عن النتيجة فترة ما ، فتأخذ الواهمة في الوسوسة ، وتقبل منها الطبيعة بما لها بها من مجانسة الظلمة الوهمية ، والناس قال في القاموس : يكون من الإنس ومن الجن ، جمع إنس ، أصله أناس جمع عزيز أدخل عليه أل انتهى ، ولعل إطلاقه على هذين المتقابلين بالنظر إلى النوس الذي أصله الاضطراب والتذبذب ، فيكون منحوتاً من الأصلين : الإنس والنوس ، ومن ثالث وهو النسيان .