وتكملة لمشاهد اليوم الذي الذي يتم فيه ذلك كله ، والذي يتساءل عنه المتسائلون ، ويختلف فيه المختلفون . يجيء المشهد الختامي في السورة ، حيث يقف جبريل " عليه السلام " والملائكة صفا بين يدي الرحمن خاشعين . لا يتكلمون - إلا من أذن له الرحمن - في الموقف المهيب الجليل :
( رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا . يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) . .
ذلك الجزاء الذي فصله في المقطع السابق : جزاء الطغاة وجزاء التقاة . هذا الجزاء ( من ربك ) . . ( رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن ) . . فهي المناسبة المهيأة لهذه اللمسة ولهذه الحقيقة الكبيرة . حقيقة الربوبية الواحدة التي تشمل الإنسان . كما تشمل السماوات والأرض ، وتشمل الدنيا والآخرة ، وتجازي على الطغيان والتقوى ، وتنتهي إليها الآخرة والأولى . . ثم هو( الرحمن ) . . ومن رحمته ذلك الجزاء لهؤلاء وهؤلاء . حتى عذاب الطغاة ينبثق من رحمة الرحمن . ومن الرحمة أن يجد الشر جزاءه وألا يتساوى مع الخير في مصيره !
ومع الرحمة والجلال : ( لا يملكون منه خطابا ) . . في ذلك اليوم المهيب الرهيب :
{ 37 - 40 } { رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا }
أي : الذي أعطاهم هذه العطايا هو ربهم { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } الذي خلقها ودبرها { الرَّحْمَنِ } الذي رحمته وسعت كل شيء ، فرباهم ورحمهم ، ولطف بهم ، حتى أدركوا ما أدركوا .
ثم ذكر عظمته وملكه العظيم يوم القيامة ، وأن جميع الخلق كلهم ذلك اليوم ساكتون لا يتكلمون و { لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا } إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ،
قوله تعالى : " رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن " قرأ ابن مسعود ونافع وأبو عمرو وابن كثير وزيد عن يعقوب ، والمفضل عن عاصم : " رب " بالرفع على الاستئناف ، " الرحمن " خبره . أو بمعنى : هو رب السموات ، ويكون " الرحمن " مبتدأ ثانيا . وقرأ ابن عامر ويعقوب وابن محيصن كلاهما بالخفض ، نعتا لقوله : " جزاء من ربك " أي جزاء من ربك رب السموات الرحمن . وقرأ ابن عباس وعاصم وحمزة والكسائي : " رب السموات " خفضا على النعت ، " الرحمن{[15760]} " رفعا على الابتداء ، أي هو الرحمن . واختاره أبو عبيد وقال : هذا أعدلها ، خفض " رب " لقربه من قوله : " من ربك " فيكون نعتا له ، ورفع " الرحمن " لبعده منه ، على الاستئناف ، وخبره " لا يملكون منه خطابا " أي لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه . وقال الكسائي : " لا يملكون منه خطابا " بالشفاعة إلا بإذنه . وقيل : الخطاب : الكلام ؛ أي لا يملكون أن يخاطبوا الرب سبحانه إلا بإذنه ؛ دليله : " لا تكلم نفس إلا بإذنه " [ هود : 105 ] .
وقيل : أراد الكفار " لا يملكون منه خطابا " ، فأما المؤمنون فيشفعون . قلت : بعد أن يؤذن لهم ؛ لقوله تعالى : " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " وقوله تعالى : " يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا " [ طه : 109 ] .
قوله تعالى : { رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمان لا يملكون منه خطابا 37 يوم يقوم الروح والملائكة صفّا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا 38 ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا 39 إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا } .
يبين الله في هذه الآيات بعض ما يقع يوم القيامة من أحداث مزلزلة تتبدل فيها ظواهر الكون ويرتج فيها الوجود كله أيما ارتجاج ، إذ قال سبحانه { رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمان } رب ، مجرور على أنه صفة لقوله : { جزاء من ربك } وقيل : بدل من ربك ، يعني جزاء من ربك رب السموات والأرض الرحمان { لا يملكون منه خطابا } أي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبة الله يومئذ إلا بإذنه . أو لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.