في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (21)

( ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون . حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون . وقالوا لجلودهم : لم شهدتم علينا ? قالوا : أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة ، وإليه ترجعون . وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون . وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ، فأصبحتم من الخاسرين . فإن يصبروا فالنار مثوى لهم . وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين . . )

إنها المفاجأة الهائلة في الموقف العصيب . وسلطان الله الذي تطيعه جوارحهم وتستجيب . وهم يوصمون بأنهم أعداء الله . فما مصير أعداء الله ? إنهم يحشرون ويجمع أولهم على آخرهم وآخرهم على أولهم كالقطيع ! إلى أين ? إلى النار ! حتى إذا كانوا حيالها وقام الحساب ، إذا شهود عليهم لم يكونوا لهم في حساب . إن ألسنتهم معقودة لا تنطق ، وقد كانت تكذب وتفتري وتستهزىء . وإن أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم ، لتستجيب لربها طائعة مستسلمة ، تروي عنهم ما حسبوه سراً . فقد يستترون من الله . ويظنون أنه لا يراهم وهم يتخفون بنواياهم ، ويتخفون بجرائمهم . ولم يكونوا ليستخفوا من أبصارهم وأسماعهم وجلودهم . وكيف وهي معهم ? بل كيف وهي أبعاضهم ? ! وها هي ذي تفضح ما حسبوه مستوراً عن الخلق أجمعين . وعن الله رب العالمين !

يا للمفاجأة بسلطان الله الخفي ، يغلبهم على أبعاضهم فتلبي وتستجيب !

( وقالوا لجلودهم : لم شهدتم علينا ? ) . .

فإذا هي تجبههم بالحقيقة التي خفيت عليهم في غير مواربة ولا مجاملة :

( قالوا : أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء )?

أليس هو الذي جعل الألسنة هي الناطقة ? وإنه لقادر على أن يجعل سواها . وقد أنطق كل شيء فهو اليوم يتحدث وينطق ويبين .

( وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ) . .

فإليه المنشأ وإليه المصير ، ولا مفر من قبضته في الأول وفي الأخير .

وهذا ما أنكروه بالعقول . وهذا ما تقرره لهم الجلود !

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (21)

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (21)

فإذا شهدت عليهم عاتبوها ، { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ } هذا دليل عل أن الشهادة تقع من كل عضو كما ذكرنا : { لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا } ونحن ندافع عنكن ؟ { قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } فليس في إمكاننا ، الامتناع عن الشهادة حين أنطقنا الذي لا يستعصي عن مشيئته أحد .

{ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } فكما خلقكم بذواتكم ، وأجسامكم ، خلق أيضا صفاتكم ، ومن ذلك ، الإنطاق . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } في الآخرة ، فيجزيكم بما عملتم ، ويحتمل أن المراد بذلك ، الاستدلال على البعث بالخلق الأول ، كما هو طريقة القرآن .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (21)

قوله تعالى : { وقالوا } يعني الكفار الذين يحشرون إلى النار ، { لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } تم الكلام هاهنا . وقال الله تعالى : { وهو خلقكم أول مرة } وليس هذا من جواب الجلود . { وإليه ترجعون* }

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (21)

وقوله { وهو خلقكم أول مرة } ابتداء إخبار عن الله تعالى وليس من كلام الجلود

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (21)

" وقالوا " يعني الكفار " لجلودهم لم شهدتم علينا " وإنما كنا نجادل عنكم " قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء " لما خاطبت وخوطبت أجريت مجرى من يعقل . " وهو خلقكم أول مرة " أي ركب الحياة فيكم بعد أن كنتم نطفا ، فمن قدر عليه قدر على أن ينطق الجلود وغيرها من الأعضاء . وقيل : " وهو خلقكم أول مرة " ابتداء كلام من الله . " وإليه ترجعون " وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله فضحك فقال : ( هل تدرون مم أضحك ) قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : ( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجزني من الظلم قال : يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني . قال : يقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله قال : ثم يخلي بينه وبين الكلام قال : فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل ) وفي حديث أبي هريرة ثم يقال : ( الآن نبعث شاهدنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه{[13431]} : انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله ، وذلك ليعذر من نفسه{[13432]} وذلك المنافق ، وذلك الذي سخط الله عليه ) خرجه أيضا مسلم .


[13431]:الزيادة من صحيح مسلم.
[13432]:ليعذر من نفسه: على بناء الفاعل من الإعذار، والمعنى: ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه، ولشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر. (هامش مسلم).
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (21)

ولما أخبر بهذا الذي يفتت الحجارة لو علقت ساعة ما ، أخبر أنه لم يفدهم الرجوع عن طبعهم الجافي وبلادتهم الكثيفة ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فلم تفدهم هذه الشهادة خجلاً من الله ولا خضوعاً في أنفسهم ولا رجوعاً عن الجدال والعناد كما لم يفدهم ذلك مجرد علم الله فيهم : { وقالوا لجلودهم } ودخل فيها ما صرح به من منافعها بها لفقد ما يدعو إلى التفصيل . ولما فعلت فعل العقلاء خاطبوها مخاطبتهم فقالوا : { لم شهدتم علينا } .

ولما كان هذا محل عجب منهم ، وكان متضمناً لجهلهم بظنهم أنه كان لها قدرة على السكوت ، وكان سؤالهم عن العلة ليس على حقيقته وإنما المراد به اللوم ، أجيب من تشوف إلى الجواب بقوله معبراً لنطقها بصيغة ما يعقل : { قالوا } معتذرين : { أنطقنا } قهراً { الله } الذي له مجامع العز على وجه لم نقدر على التخلف عنه . ولما كان حال الكفار دائماً دائراً بين غباوة وعناد ، أقاموا لهم على ذلك دليلين شهوديين فقالوا : { الذي أنطق كل شيء } أي فعلاً أو قوة أو حالاً ومقالاً .

ولما كانت الأشياء كلها متساوية الأقدام في الإنطاق والإخراس وغيرهما من كل ما يمكن بالنسبة إلى قدرته سبحانه ، نبهوهم على ذلك بقولهم : { وهو خلقكم أول مرة } والعلم القطعي حاصل عندكم بأنكم كنتم عدماً ثم نطفاً لا تقبل النطق في مجاري العادات بوجه ، ثم طوركم في أدوار الأطوار كذلك إلى أن أوصلكم إلى حيز الإدراك ، فقسركم على النطق بحيث لو أردتم سلبه عن أنفسكم ما قدرتم . ولما كان الخلق شيئاً واحداً فعبر عنه بالماضي وكان الرجوع تارة بالحس وتارة بالمعنى وكان الذي بالمعنى كثير التعدد بكثرة التجدد قال : { وإليه } أي إلى غيره { ترجعون * } أي في كل حين بقسركم بأيسر أمر على كل ما يريد من أول ما خلقتم إلى ما لا نهاية له ، فلو كان لكم نوع علم لكفاكم ذلك واعظاً في الدنيا تعلمون به أنكم في غاية العجز ، وأن له العظمة والكبر والقدرة والقهر ، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال :

" هل تدرون ممّ أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : من مخاطبة العبد ربه ، يقول : يا رب ألم تجزني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى ، اقل : فيقول : فإني لا أجيز إلا شاهداً مني ، قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً ، قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنا أناضل " .