فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (21)

{ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } وجه تخصيص الثلاثة بالشهادة دون غيرها ما ذكره الرازي أن الحواس الخمس وهي : السمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، واللمس ، وآلة المس هي الجلد ، فالله سبحانه ذكر هنا ثلاثة أنواع من الحواس وهي : السمع ، والبصر ، واللمس ، وأهمل ذكر نوعين وهما : الذوق ، والشم ، فالذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه ، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام ، وكذلك الشم لا يتأتى حتى تصير جلدة الحنك مماسة لجرم الشموم ، فكانا داخلين في جنس اللمس ، وإذا عرفت من كلامه هذا وجه تخصيص الثلاثة بالذكر عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسؤال ، لأنها قد اشتملت على ثلاث حواس ، فكان تأتي المعصية من جهتها أكثر وأما على قول من فسر الجلود بالفروج ، فوجه تخصيصها بالسؤال ظاهر ، لأنه ما يشهد به الفرج من الزنا أعظم قبحاً ، وأجلب للخزي والعقوبة ، وقد قدّمنا وجه إفراد السمع ، وجمع الأبصار { قَالُواْ أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيء } أي أنطق كلّ شيء مما ينطق من مخلوقاته ، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح .

وقيل المعنى : ما نطقنا باختيارنا ، بل أنطقنا الله ، والأوّل أولى { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } قيل هذا من تمام كلام الجلود . وقيل : مستأنف من كلام الله ، والمعنى : أن من قدر على خلقكم ، وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم ورجعكم إليه .

/خ24