: ( وأخرى تحبونها : نصر من الله وفتح قريب . وبشر المؤمنين ) . .
وهنا تبلغ الصفقة ذروة الربح الذي لا يعطيه إلا الله . الله الذي لا تنفد خزائنه ، والذي لا ممسك لرحمته . فهي المغفرة والجنات والمساكن الطيبة والنعيم المقيم في الآخرة . وفوقها . . فوق البيعة الرابحة والصفقة الكاسبة النصر والفتح القريب . . فمن الذي يدله الله على هذه التجارة ثم يتقاعس عنها أو يحيد ? !
وهنا يعن للنفس خاطر أمام هذا الترغيب والتحبيب . . إن المؤمن الذي يدرك حقيقة التصور الإيماني للكون والحياة ؛ ويعيش بقلبه في هذا التصور ؛ ويطلع على آفاقه وآماده ؛ ثم ينظر للحياة بغير إيمان ، في حدودها الضيقة الصغيرة ، وفي مستوياتها الهابطة الواطية ، وفي اهتماماتها الهزيلة الزهيدة . . هذا القلب لا يطيق أن يعيش لحظة واحدة بغير ذلك الإيمان ، ولا يتردد لحظة واحدة في الجهاد لتحقيق ذلك التصور الضخم الوسيع الرفيع في عالم الواقع ، ليعيش فيه ، وليرى الناس من حوله يعيشون فيه كذلك . . ولعله لا يطلب على جهاده هذا أجرا خارجا عن ذاته . فهو ذاته أجر . . هذا الجهاد . . وما يسكبه في القلب من رضى وارتياح . ثم إنه لا يطيق أن يعيش في عالم بلا إيمان . ولا يطيق أن يقعد بلا جهاد لتحقيق عالم يسوده الإيمان . فهو مدفوع دفعا إلى الجهاد . كائنا مصيره فيه ما يكون . .
ولكن الله - سبحانه - يعلم أن النفس تضعف ، وأن الاندفاع يهبط ، وأن الجهد يكل وأن حب السلامة قد يهبط بتلك المشاعر كلها ويقودها إلى الرضى بالواقع الهابط . .
ومن ثم يجاهد القرآن هذه النفس ذلك الجهاد ؛ ويعالجها ذلك العلاج ، ويهتف لها بالموحيات والمؤثرات ذلك الهتاف المتكرر المتنوع ، في شتى المناسبات . ولا يكلها إلى مجرد الإيمان ، ولا إلى نداء واحد باسم هذا الإيمان .
نصر من الله وفتح قريب : فتح مكة ، ثم أتبع ذلك كله ببشرى عظيمة يحبها المؤمنون وينتظرونها وهي : { وأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } نعمة كبرى تحبونها : النصر من الله ، وفتح مكة . وهو آت قريب . وقد أنجز الله وعده .
{ وَبَشِّرِ المؤمنين } يا محمد ، بهذه النعم ، وأن الله تعالى نصَرَهم لأنهم آمنوا حقيقة ، وجاهدوا جهاداً كبيرا ولم ينتظروا من أحدٍ أن يساعدَهم وهم قاعدون . . كما يفعل العرب والمسلمون اليوم .
{ وَأُخْرَى } أي ولكم إلى ما ذكر من النعم نعمة أخرى ، فأخرى مبتدأ ، وهي في الحقيقة صفة للمبتدأ المحذوف أقيمت مقامه بعد حذفه ، والخبر محذوف قاله الفراء ، وقوله تعالى : { تُحبُّونَهَا } في موضع الصفة ، وقوله سبحانه : { نَصْرٌ مِّنَ الله وَفَتْحٌ قَريبٌ } أي عاجل بدل أو عطف بيان ، وجملة المبتدأ وخبره قيل : حالية ؛ وفي «الكشف » وإنها عطف على جواب الأمر أعني { يغفر } [ الصف : 12 ] من حيث المعنى كما تقول : جاهدوا تؤجروا ولكم الغنيمة وفي { تحبونها } تعبير لهم وكذلك في إيثار الاسمية على الفعلية وعطفها عليها كأن هذه عندهم أثبت وأمكن ونفوسهم إلى نيلها والفوز أسكن .
وقيل : { أخرى } مبتدأ خبره { نصر } وقال قوم : هي في موضع نصب بإضمار فعل أي ويعطكم أخرى ، وجعل ذلك من باب
. علفتها تبناً وماءاً بارداً *** ومنهم من قدر تحبون أخرى على أنه من باب الاشتغال ، و { نصر } على التقديرين خبر مبتدأ محذوف أي ذلك أو هو { نصر } ، أو مبتدأ خبره محذوف أي نصر وفتح قريب عنده ، وقال الأخفش : هي في موضع جر بالعطف على { تجارة } [ الصف : 10 ] وهو كما ترى .
وقرأ ابن أبي عبلة نصراً وفتحاً قريباً بالنصب بأعني مقدراً ، أو على المصدر أي تنصرون نصراً ويفتح لكم فتحاً ، أو على البدلية من { أخرى } على تقدير نصبها { وَبَشِّر المُؤْمنينَ } عطف على قل مقدراً قبل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } [ الصف : 10 ] ، وقيل : على أبشر مقدراً أيضاً ، والتقدير فأبشر يا محمد وبشر .
وقال الزمخشري : هو عطف على { تؤمنون } [ الصف : 11 ] لأنه في معنى الأمر كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا يثبكم الله تعالى وينصركم وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك ، وتعقبه في الإيضاح بأن فيه نظراً لأن المخاطبين في { تؤمنون } هم المؤمنون ، وفي { بشر } هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قوله تعالى : { تؤمنون } بيان لما قبله على طريق الاستئناف فكيف يصح عطف { بشر المؤمنون } عليه ؟ وأجيب بما خلاصته أن قوله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا } للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته كما تقرر في أصول الفقه ، وإذا فسر بآمنوا وبشر دل على تجارته عليه الصلاة والسلام الرابحة وتجارتهم الصالحة ، وقدم { آمنوا } لأنه فاتحة الكل ثم لو سلم فلا مانع من العطف على جواب السائل بما لا يكون جواباً إذا ناسبه فيكون جواباً للسؤال وزيادة كيف وهو داخل فيه ؟ كأنهم قالوا : دلنا يا ربنا فقيل : آمنوا يكن لكم كذا وبشرهم يا محمد بثبوته لهم ، وفيه من إقامة الظاهر مقام المضمر وتنويع الخطاب ما لا يخفي نبل موقعه ، واختاره «صاحب الكشف » فقال : إن هذا الوجه من وجه العطف على قل ووجه العطف على فابشر لخلوهما عن الفوائد المذكورة يعني ما تضمنه الجواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.