في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

وهكذا تلك القيادات الضالة المضللة تقيم أصناما ، تختلف أسماؤها وأشكالها ، وفق النعرة السائدة في كل جاهلية ؛ وتجمع حواليها الأتباع ، وتهيج في قلوبهم الحمية لهذه الأصنام ، كي توجههم من هذا الخطام إلى حيث تشاء ، وتبقيهم على الضلال الذي يكفل لها الطاعة والانقياد : ( وقد أضلوا كثيرا )ككل قيادة ضالة تجمع الناس حول الأصنام . . أصنام الأحجار . وأصنام الأشخاص . وأصنام الأفكار . . سواء ! ! للصد عن دعوة الله ، وتوجيه القلوب بعيدا عن الدعاة ، بالمكر الكبار ، والكيد والإصرار !

هنا انبعث من قلب النبي الكريم نوح - عليه السلام - ذلك الدعاء على الظالمين الضالين المضلين ، الماكرين الكائدين :

( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) . .

ذلك الدعاء المنبعث من قلب جاهد طويلا ، وعانى كثيرا ، وانتهى - بعد كل وسيلة - إلى اقتناع بأن لا خير في القلوب الظالمة الباغية العاتية ؛ وعلم أنها لا تستحق الهدى ولا تستأهل النجاة .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

وقد أطاعهم الناسُ فأضلّوهم { وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً } .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

{ وَقَدْ أَضَلُّواْ } أي الرؤساء { كَثِيراً } خلقاً كثيراً أي قبل هؤلاء الموصين بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام فهم ليسوا بأول من أضلوهم ويشعر بذلك المضي والاقتران بقد حيث أشعر ذلك بأن الإضلال استمر منهم إلى زمن الإخبار بإضلال الطائفة الأخيرة وجوز أن يراد بالكثير هؤلاء الموصين وكان الظاهر وقد أضل الرؤساء إياهم أي الموصين المخاطبين بقوله لا تذرن آلهتكم فوضع كثيراً موضع ذلك على سبيل التجريد وقال الحسن وقد أضلوا أي الأصنام فهو كقوله تعالى : { رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس } [ ابراهيم : 36 ] وضمير العقلاء لتنزيلها منزلتهم عندهم وعلى زعمهم ويحسنه على ما في «البحر » عود الضمير على أقرب مذكور ولا يخفي أن عوده على الرؤساء أظهر إذ هم المحدث عنهم والمعنى فيهم أمكن والجملة قيل حالية أو معطوفة على ما قبلها وقوله تعالى : { وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً } قيل عطف على { رب أنهم عصوني } [ نوح : 21 ] على حكاية كلام نوح عليه السلام بعد قال والواو النائبة عنه ومعناه قال : رب إنهم عصوني وقال لا تزد الخ أي قال هذين القولين على أن الواو من كلام الله تعالى لأنها داخلة في الحكاية وما بعدها هو المحكي وإليه ذهب الزمخشري وإنما ارتكب ذلك فراراً من عطف الإنشاء على الخبر وقيل عطف عليه والواو من المحكي والتناسب إنشائية وخبرية غير لازم في العطف كما قاله أبو حيان وغيره وفيه خلاف وفي «الكشف » لك أن تجعله من باب { واهجرني ملياً } [ مريم : 46 ] أي فاخذلهم ولا تزدهم وفي العدول إلى الظالمين إشعار باستحقاقهم الدعاء عليهم وإبداء لعذره عليه السلام وتحذير ولطف لغيرهم وفيه أنه بعض ما يتسبب من ساويهم وهو معنى حسن فعنده العطف على محذوف إنشائي ولعل الأولى أن يقال إن العطف على رب إنهم عصوني والواو من المحكي والتناسب حاصل وقال الخفاجي الظاهر أن الغرض من قول : رب إنهم الخ الشكاية وإبداء العجز واليأس منهم فهو طلب للنصرة عليهم كقوله { رب انصرني بما كذبون } [ المؤمنون : 26 ] ولو لم يقصد ذلك تكرر مع ما مر منه عليه السلام فحينئذٍ يكون كناية عن قوله اخذلهم أو انصرني أو اظهر دينك أو نحوه فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء من غير تقدير ويشهد له أن الله تعالى سمى مثله دعاء حيث قال سبحانه { فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون } [ الدخان : 22 ] فتدبر وهو حسن خال عن التكلف وارتكاب المختلف فيه إلا أن في الشهادة دغدغة والمراد بالضلال المدعو بزيادته أما الضلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم فيكون ذلك دعاء عليهم بعدم تيسير أمورهم وأما الضلال بمعنى الهلاك كما في قوله تعالى : { إِنَّ المجرمين في ضلال وَسُعُرٍ } [ القمر : 47 ] وهو مأخوذ من الضلال في الطريق لأن من ضل فيها هلك فيكون المعنى أهلكهم وفسره ابن بحر بالعذاب وهو قريب مما ذكر وقيل هو على ظاهره أعني الضلال في الدين والدعاء بزيادته إنما كان بعد ما أوحي إليه عليه السلام أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ومآله الدعاء عليهم بزيادة عذابهم ويحتاج إلى دليل وبما سمعت ينحل ما يقال أن طلب الضلال ونحوه إما غير جائز مطلقاً أو إذا دعى به على وجه الاستحسان وبدونه وإن كان جائزاً لكنه غير ممدوح ولا مرضي فكيف دعا بذلك نوح عليه السلام عليهم .