تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

الآية24 : وقوله تعالى : { وقد أضلوا كثيرا } فجائز أن يكون أريد به الكبراء أنهم أضلوا كثيرا ، أي دعوا إلى الضلال ، وزينوه في قلوبهم ، فأضلوا سفهاءهم بذلك .

وجائز أن يكون أريد به الأصنام ، ولكن حقه ، إن كان على الأصنام ، أن يقول : وقد أضللن كثيرا كما قال إبراهيم عليه السلام : { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس }[ إبراهيم : 36 ] .

ولكن الإضلال من فعل الممتحنين ، والأصنام ليست لها أفعال ، فلما نسب إليها نسبة من يوجد{[22219]}منه الفعل أخرج الخطاب على الوزن الذي يخاطب به من يوجد منه هذا الفعل ، وهو كقوله تعالى : { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها }[ الطلاق : 8 ] فأضاف إلى القرية فعل أهلها ، والفعل إذا أضيف[ إلى الأهل أضيف ]{[22220]} بلفظ التذكير ، ثم أنّث ههنا لإضافة فعل الأهل إلى القرية [ ولو كانت القرية ]{[22221]}بحيث يكون منها الفعل لكان الخطاب ، يرتفع عنها بلفظ التأنيث لا بلفظ التذكير . فحين{[22222]}أضيف إليها فعل أهلها أنّث كما يوجب لو كان الفعل متحققا منها .

ثم الأصنام لا يتحقق منها الإضلال ، ولكن معنى الإضافة ههنا هو أنها أنشئت على هيئة ، لو كانت تلك الهيئة ممن يضل[ لأضلت هي ]{[22223]} كما قلنا في تأويل قوله عز وجل : { وغرتهم الحياة الدنيا }[ الأنعام : 70 و . . ] .

وقوله تعالى : { ولا تزد الظالمين إلا ضلالا } فهذا يشبه أن يكون بعد ما بين له{ أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن }[ هود : 36 ] فإذ قد علم أنهم لا يؤمنون لم يدع لهم بالهدى ، ولكن دعا الله تعالى ليزيد في إضلالهم ، ويكون الإضلال عبارة عن الهلاك ، والضلال الهلاك . قال الله تعالى : { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض }[ السجدة : 10 ] أي أهلكنا .


[22219]:في الأصل و م: يوجه.
[22220]:من م، ساقطة من الأصل.
[22221]:من م، ساقطة من الأصل.
[22222]:في الأصل و م: فحيث.
[22223]:في الأصل و م: لأضل هو.