الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وقد أضلوا كثيرا} من الناس.

{ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} يعني إلا خسارا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله: "وَقَدْ أضَلّوا كَثِيرا": يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح: وقد ضلّ بعبادة هذه الأصنام التي أُحدثت على صور هؤلاء النفر المسمينَ في هذا الموضع كثير من الناس فنُسِب الضّلال إذ ضَلّ بها عابدوها إلى أنها المُضِلة.

" وَلا تَزدِ الظّالِمِينَ إلاّ ضَلالاً ": ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم بآياتنا إلا ضلالاً، إلا طبعا على قلبه، حتى لا يهتدي للحقّ.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وقد أضلوا كثيرا} فجائز أن يكون أريد به الكبراء أنهم أضلوا كثيرا، أي دعوا إلى الضلال، وزينوه في قلوبهم، فأضلوا سفهاءهم بذلك.

وجائز أن يكون أريد به الأصنام...

{ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} فهذا يشبه أن يكون بعد ما بين له {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود: 36] فإذ قد علم أنهم لا يؤمنون، لم يدع لهم بالهدى، ولكن دعا الله تعالى ليزيد في إضلالهم، ويكون الإضلال عبارة عن الهلاك، والضلال الهلاك. قال الله تعالى: {وقالوا أئذا ضللنا في الأرض} [السجدة: 10] أي أهلكنا.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والمعنى وقد أضل هؤلاء القائلون كثيراً من الناس الأتباع والعوام، ثم دعا عليهم إلى الله تعالى بأن لا يزيدهم إلا ضلالاً، وذكر {الظالمين} لتعم الدعوة كل من جرى مجراهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر مكرهم وما أظهروا من قولهم، عطف عليه ما توقع السامع من أمرهم فقال: {وقد أضلوا} أي الأصنام وعابدوها بهذه العبادة {كثيراً} من عبادك الذين خلقتهم على الفطرة السليمة من أهل زمانهم وممن أتى بعدهم فإنهم أول من سن هذه السنة السيئة فعليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. ولما كان التقدير: فلا تزد الظالمين إلا خساراً، عطف عليه قوله مظهراً في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف: {ولا تزد الظالمين} أي الراسخين في الوصف الموجب لأن تكون آثار المتصف به كآثار الماشي في الظلام في وقوعها مختلة، شيئاً من الأشياء التي هي فيهم {إلا ضلالاً} أي طبعاً على عقولهم و قلوبهم حتى يعموا عن الحق وعن جميع مقاصدهم الفاسدة الضالة الراسخة في الضلال فلا يكون منها شيء على وجه يكون فيه شيء من سداد، وكان هذا بعد أن أعلمه الله سبحانه وتعالى أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، والكلام عليه على كل حال كالكلام على دعاء موسى هارون عليهما وعلى محمد أفضل الصلاة و السلام في الشد على قلوب فرعون وملائه لئلا يؤمنوا في حال ينفعهم فيه كما مضى في سورة يونس عليه السلام.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهكذا تلك القيادات الضالة المضللة تقيم أصناما، تختلف أسماؤها وأشكالها، وفق النعرة السائدة في كل جاهلية؛ وتجمع حواليها الأتباع، وتهيج في قلوبهم الحمية لهذه الأصنام، كي توجههم من هذا الخطام إلى حيث تشاء، وتبقيهم على الضلال الذي يكفل لها الطاعة والانقياد: (وقد أضلوا كثيرا) ككل قيادة ضالة تجمع الناس حول الأصنام.. أصنام الأحجار. وأصنام الأشخاص. وأصنام الأفكار.. سواء!! للصد عن دعوة الله، وتوجيه القلوب بعيدا عن الدعاة، بالمكر الكبار، والكيد والإصرار! هنا انبعث من قلب النبي الكريم نوح -عليه السلام- ذلك الدعاء على الظالمين الضالين المضلين، الماكرين الكائدين: (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا).. ذلك الدعاء المنبعث من قلب جاهد طويلا، وعانى كثيرا، وانتهى -بعد كل وسيلة- إلى اقتناع بأن لا خير في القلوب الظالمة الباغية العاتية؛ وعلم أنها لا تستحق الهدى ولا تستأهل النجاة.