الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

{ وَقَدْ أَضَلُّواْ } الضمير للرؤساء . ومعناه : وقد أضلوا { كَثِيراً } قبل هؤلاء الموصين بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام ليسوا بأوّل من أضلوهم . أو وقد أضلوا بإضلالهم كثيراً ، يعني أنّ هؤلاء المضلين فيهم كثرة . ويجوز أن يكون للأصنام ، كقوله تعالى : { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس } [ إبراهيم : 36 ] .

فإن قلت : علام عطف قوله : { وَلاَ تَزِدِ الظالمين } ؟ قلت : على قوله : { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى } على حكاية كلام نوح عليه السلام بعد { قَالَ } وبعد الواو النائبة عنه : ومعناه قال رب إنهم عصوني ، وقال : لا تزد الظالمين إلا ضلالاً ، أي : قال هذين القولين وهما في محل النصب ، لأنهما مفعولا «قال » كقولك : قال زيد نودي للصلاة وصل في المسجد ؛ تحكى قوليه معطوفاً أحدهما على صاحبه .

فإن قلت : كيف جاز أن يريد لهم الضلال ويدعو الله بزيادته ؟ قلت : المراد بالضلال : أن يخذلوا ويمنعوا الألطاف ، لتصميمهم على الكفر ووقوع اليأس من إيمانهم ، وذلك حسن جميل يجوز الدعاء به ، بل لا يحسنَ الدعاء بخلافه . ويجوز أن يريد بالضلال : الضياع والهلاك ، لقوله تعالى : { وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً } [ نوح : 28 ] .