البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

{ وقد أضلوا } : أي الرؤساء المتبوعون ، { كثيراً } : من أتباعهم وعامتهم ، وهذا إخبار من نوح عليه السلام عنهم بما جرى على أيديهم من الضلال .

وقال الحسن : { وقد أضلوا } : أي الأصنام ، عاد الضمير عليها كما يعود على العقلاء ، كقوله تعالى : { رب إنهن أضللن كثيراً من الناس } ويحسنه عوده على أقرب مذكور ، ولكن عوده على الرؤساء أظهر ، إذ هم المحدث عنهم والمعنى فيهم أمكن .

ولما أخبر أنهم قد ضلوا كثيراً ، دعا عليهم بالضلال ، فقال : { ولا تزد } : وهي معطوفة على { وقد أضلوا } ، إذ تقديره : وقال وقد أضلوا كثيراً ، فهي معمولة لقال المضمرة المحكي بها قوله : { وقد أضلوا } ، ولا يشترط التناسب في عطف الجمل ، بل قد يعطف ، جملة الإنشاء على جملة الخبر والعكس ، خلافاً لمن يدعي التناسب .

وقال الزمخشري ما ملخصه : عطف { ولا تزد } على { رب إنهم عصوني } ، أي قال هذين القولين .

{ إلا ضلالاً } ، قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يريد لهم الضلال ويدعو الله بزيادته ؟ قلت : المراد بالضلال أن يخذلوا ويمنعوا الألطاف لتصميمهم على الكفر ووقوع اليأس من إيمانهم ، وذلك حسن جميل يجوز الدعاء به ، بل لا يحسن الدعاء بخلافه .

انتهى ، وذلك على مذهب الاعتزال .

قال : ويجوز أن يراد بالضلال الضياع والهلاك ، كما قال : { ولا تزد الظالمين إلا تباراً } .

وقال ابن بحر : { إلا ضلالاً } : إلا عذاباً ، قال كقوله : { إن المجرمين في ضلالٍ وسعرٍ } .

وقيل : إلا خسراناً .

وقيل : إلا ضلالاً في أمر دنياهم وترويج مكرهم وحيلهم .