وفي الجانب الآخر : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم ) . . والإيمان الأول يشمل الإيمان بما نزل على محمد . ولكن السياق يبرزه ويظهره ليصفه بصفته : ( وهو الحق من ربهم )ويؤكد هذا المعنى ويقرره . وإلى جوار الإيمان المستكن في الضمير ، العمل الظاهر في الحياة . وهو ثمرة الإيمان الدالة على وجوده وحيويته وانبعاثه .
وهؤلاء : ( كفر عنهم سيئاتهم ) . . في مقابل إبطال أعمال الذين كفروا ولو كانت حسنات في شكلها وظاهرها . وبينما يبطل العمل ولو كان صالحا من الكافرين ، فإن السيئة تغفر للمؤمنين . وهو تقابل تام مطلق يبرز قيمة الإيمان وقدره عند الله ، وفي حقيقة الحياة . .
( وأصلح بالهم ) . . وإصلاح البال نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في القدر والقيمة والأثر . والتعبير يلقي ظلال الطمأنينة والراحة والثقة والرضى والسلام . ومتى صلح البال ، استقام الشعور والتفكير ، واطمأن القلب والضمير ، وارتاحت المشاعر والأعصاب ، ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام . . وماذا بعد هذا من نعمة أو متاع ? ألا إنه الأفق المشرق الوضيء الرفاف .
ولما ذكر أهل{[59275]} الكفر معبراً عنهم بأدنى طبقاتهم ليشمل من فوقهم ، ذكر أضدادهم كذلك ليعم من كان منهم من جميع الفرق فقال تعالى : { والذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان باللسان { وعملوا } تصديقاً لدعواهم{[59276]} ذلك { الصالحات } أي الأعمال الكاملة في الصلاح بتأسيسها على الإيمان . ولما كان هذا الوصف لا يخص أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، خصهم بقوله تعالى : { وآمنوا } أي مع ذلك .
ولما كان بعضهم كحيي بن أخطب ومن نحا نحوه قد طعن في القرآن بنزوله منجماً مع أن التوراة ما نزلت إلا كذلك ، وليس أحد منهم يقدر{[59277]} أن ينكره قال : { بما نزل } أي ممن لا منزل إلا هو{[59278]} {[59279]}منجماً مفرقاً ليجددوا بعد الإيمان به{[59280]} إجمالاً الإيمان بكل نجم منه { على محمد } النبي الأمي العربي القرشي المكي ثم-{[59281]} المدني الذي يجدونه مكتوباً عندهم{[59282]} في التوراة والإنجيل صلى الله عليه وسلم ، ولما كان هذا معلماً بأن كل إيمان لم يقترن بالإيمان به صلى الله عليه وسلم-{[59283]} لم يعتد به ، اعترض بين المبتدأ وجوابه بما يفهم علته حثاً عليه وتأكيداً له فقال تعالى : { وهو } أي هذا الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم مختص بأنه { الحق } أي الكامل في الحقية لأن ينسخ ولا ينسخ{[59284]} كائناً { من ربهم } المحسن إليهم بإرساله{[59285]} ، أما إحسانه إلى أمته فواضح ، وأما سائر الأمم {[59286]}فبكونه هو{[59287]} الشافع فيهم الشفاعة العظمى يوم القيامة ، وأمته هي الشاهدة لهم .
ولما ثبت بهذا أنهم أحق الناس بالحق ، بين ما أثمر{[59288]} لهم ذلك دالاً على أنه لا يقدر أحد-{[59289]} أن يقدر الله حق قدره ، فلا يسع الخلق إلا العفو لأنهم وإن اجتهدوا في الإصلاح {[59290]}بدا لهم{[59291]} لنقصانهم من سيئات أو هفوات فقال تعالى : { كفر } أي غطى تغطية عظيمة { عنهم } في الدارين بتوبتهم وإيمانهم لأن التوبة تجب ما كان قبلها كالإيمان { سيئاتهم } أي الأعمال السيئة التي لحقتهم قبل ذلك بما يظهر لهم من المحاسن وهدى أعمالهم . ولما كان من يعمل سوءاً يخاف عاقبته فيتفرق فكره ، إذ لا عيشة لخائف{[59292]} قال تعالى : { وأصلح بالهم * } أي موضع سرهم وفكرهم بالأمن والتوفيق والسداد وقوة الفهم والرشاد{[59293]} لما يوفقهم له من محاسن الأعمال ويطيب به اسمهم في الدارين ، قال ابن برجان : وإذا أصلح ذلك من العبد-{[59294]} صلح ما يدخل{[59295]} إليه وما يخرج عنه وما يثبت فيه ، وإذا فسد فبالضد من ذلك . ولذلك إذا اشتغل البال لم ينتفع {[59296]}من صفات{[59297]} الباطن بشيء ، وقد علم أن الآية من الاحتباك : ذكر ضلال الكفار أولاً دليلاً على إرادة الهدى للمؤمنين ثانياً ، وإصلاح البال ثانياً دليلاً على حذف-{[59298]} إفساده أولاً .
قوله : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيآتهم } وذلك في مقابلة الكافرين الذين أضل الله أعمالهم وجعلها هباء منثورا . فههنا المؤمنون الذين يعملون الصالحات من الأعمال على اختلافها وكثرتها ، وهم مصدقون موقنون بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن . وقد خص هذا بالذكر مع اندراجه تحت مطلق الإيمان المذكور تنبيها على شرفه وعظيم منزلته وفضله { وهو الحق من ربهم } أي القرآن ، فإنه حق منزل من عند الله هداية للناس ، ودليلا يستضيئون به في حياتهم .
قوله : { كفر عنهم سيئاتهم } أي محا الله عنهم ما كانوا يفعلونه من السيئات { وأصلح بالهم } أي أصلح الله شأنهم وحالهم في الدنيا والآخرة . والبال ، معناه القلب . يقال : ما يخطر فلان ببالي . والبال ، رخاء النفس . يقال : فلان رخي البال . والبال ، الحال . يقال : ما بالك ؟ {[4223]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.