( وما يستوي الأعمى والبصير ) . . ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ) . . فالبصير يرى ويعلم ؛ ويعرف قدره وقيمته ، ولا يتطاول ، ولا ينتفخ ولا يتكبر لأنه يرى ويبصر . والأعمى لا يرى ولا يعرف مكانه ، ولا نسبته إلى ما حوله ، فيخطىء تقدير نفسه وتقدير ما يحيط به ، ويتخبط هنا وهنالك من سوء التقدير . . وكذلك لا يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيء . إن أولئك أبصروا وعرفوا فهم يحسنون التقدير .
وهذا عمي وجهل فهو يسيء . . يسيء كل شيء . يسيء إلى نفسه ، ويسيء إلى الناس . ويسيء قبل كل شيء إدراك قيمته وقيمة ما حوله . ويخطىء في قياس نفسه إلى ما حوله . فهو أعمى . . والعمى عمى القلوب !
ولو تذكرنا لعرفنا . فالأمر واضح قريب . لا يحتاج إلى أكثر من التذكر والتذكير . .
ليس يستوي الأعمى عن الحق والبصير العارف به ، ولا يستوي المؤمن العامل بإيمانه والمسيء في عقيدته وعمله ، ذلك أن المؤمنين أبصروا وعرفوا فهم يحسنون التقدير ، أما الأعمى بجهله فهو يسيء كل شيء . { قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } وما أقلّ ما تتذكرون .
قرأ أهل الكوفة : تتذكرون بتاءَين ، والباقون : يتذكرون بالياء .
ثم قال تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ } أي : كما لا يستوي الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوي من آمن بالله وعمل الصالحات ، ومن كان مستكبرًا على عبادة ربه ، مقدمًا على معاصيه ، ساعيًا في مساخطه ، { قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } أي : تذكركم قليل{[771]} وإلا ، فلو تذكرتم مراتب الأمور ، ومنازل الخير والشر ، والفرق بين الأبرار والفجار ، وكانت لكم همة عليه ، لآثرتم النافع على الضار ، والهدى على الضلال ، والسعادة الدائمة ، على الدنيا الفانية .
قوله تعالى : " وما يستوي الأعمى والبصير " أي المؤمن والكافر والضال والمهتدي . " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي ولا يستوي العامل للصالحات " ولا المسيء " الذي يعمل السيئات . " قليلا ما تتذكرون " قراءة العامة بياء على الخبر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لأجل ما قبله من الخبر وما بعده . وقرأ الكوفيون بالتاء على الخطاب .
قوله : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ } لا يستوي من كان غافلا عن جلال الله وعظيم قدره وعن حقيقة البعث والمعاد ، ومن هو مؤمن بأن الله حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها ؛ فهو ذو بصيرة يدرك بها الحق والصواب . وبذلك شَبَّهَ المؤمن المستيقن المتذكر بالبصير الذي يمشي مهتديا لا يضل ولا يتعثر .
قوله : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ولاَ الْمُسِيءُ } لا : زائدة للتوكيد ؛ لأنه لما طال الكلام بالصلة أعاد معه { وَلاَ } توكيدا{[4028]} والمعنى : أن المؤمنين الذين يعملون الصالحات محسنون ، وخلافهم الكافرون الفجار وهم مسيئون ، ولا يستوي الفريقان { قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ } { قليلا } صفة لمصدر محذوف ؛ أي تذكُّرًا قليلا تتذكرون . و { مَّا } صلة زائدة . وذلك هو دأب الإنسان في طول غفلت وكثرة إعراضه عن الحق وسرعة إقباله على الشهوات ومتاع الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.