والمرعى يخرج في أول أمره خضرا ، ثم يذوي فإذا هو غثاء ، أميل إلى السواد فهو أحوى ، وقد يصلح أن يكون طعاما وهو أخضر ، ويصلح أن يكون طعاما وهو غثاء أحوى . وما بينهما فهو في كل حالة صالح لأمر من أمور هذه الحياة ، بتقدير الذي خلق فسوى وقدر فهدى .
والإشارة إلى حياة النبات هنا توحي من طرف خفي ، بأن كل نبت إلى حصاد وأن كل حي إلى نهاية . وهي اللمسة التي تتفق مع الحديث عن الحياة الدنيا والحياة الأخرى . . . ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) . . والحياة الدنيا كهذا المرعى ، الذي ينتهي فيكون غثاء أحوى . . والآخرة هي التي تبقى .
وبهذا المطلع الذي يكشف عن هذا المدى المتطاول من صفحة الوجود الكبيرة . . تتصل حقائق السورة الآتية في سياقها ، بهذا الوجود ؛ ويتصل الوجود بها ، في هذا الإطار العريض الجميل . والملحوظ أن معظم السور في هذا الجزء تتضمن مثل هذا الإطار . الإطار الذي يتناسق مع جوها وظلها وإيقاعها تناسقا كاملا .
غُثاء : يابسا مسودّا . والغثاء : ما يحمله السيل من الحشائش والأوراق التي لا قيمة لها . يقال غثا الوادي يغثو غثُوّاً كثُرَ فيه الغثاء .
أحوى : ما يُحيل لونَه إلى السواد .
أي صيَّره يابسا جافا بعد الخضرة والنضارة . وفي هذا عبرة لذوي العقول ، فكما أن النبات يبدأ أخضر زاهيا ثم يَميل إلى الجفاف والسواد ، فكذلك الحياةُ الدنيا زائلة فانية ، والآخرة هي الباقية .
" فجعله غثاء أحوى " الغثاء : ما يقذف به السيل على جوانب الوادي من الحشيش والنبات والقماش{[15967]} . وكذلك الغثاء ( بالتشديد ) . والجمع :
الأغثاء ، قتادة : الغثاء : الشيء اليابس . ويقال للبقل والحشيش إذا تحطم ويبس : غثاء وهشيم . وكذلك للذي يكون حول الماء من القماش غثاء ، كما قال :
كأنَّ طَمِيَّةَ{[15968]} المُجَيْمِرِ غدوةً *** من السيل والأغثاء{[15969]} فِلْكَةُ مِغْزَلِ
وحكى أهل اللغة : غثا الوادي وجفا{[15970]} . وكذلك الماء : إذا علاه من الزبد والقماش ما لا ينتفع به . والأحوى : الأسود ، أي أن النبات يضرب إلى الحوة من شدة الخضرة كالأسود . والحوة : السواد . قال الأعشى{[15971]} :
لَمْيَاءُ في شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ *** وفي اللِّثَاتِ وفي أنيابها شَنَبُ
وفي الصحاح : والحوة : سمرة الشفة . يقال : رجل أحوى ، وامرأة حواء ، وقد حويت . وبعير أحوى إذا خالط خضرته سواد وصفوة . وتصغير أحوى أحيو ، في لغة من قال أسيود . ثم قيل : يجوز أن يكون " أحوى " حالا من " المرعى " ، ويكون المعنى : كأنه من خضرته يضرب إلى السواد . والتقدير : أخرج المرعى أحوى ، فجعله غثاء يقال : قد حوي النبت ؛ حكاه الكسائي ، وقال :
وغيثٍ من الوَسْمِيِّ حُوٍّ تِلاَعُهُ *** تَبَطَّنَتْهُ بشَيْظَم صَلَتَانِ{[15972]}
ويجوز أن يكون " حوى " صفة ل " غثاء " . والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته . وقال أبو عبيدة : فجعله أسود من احتراقه وقدمه ، والرطب إذا يبس أسود . وقال عبد الرحمن بن زيد : أخرج المرعى أخضر ، ثم لما يبس أسود من احتراقه ، فصار غثاء تذهب به الرياح والسيول . وهو مثل ضربه اللّه تعالى للكفار ، لذهاب الدنيا بعد نضارتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.