في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

ونرى الرجل المؤمن . وقد اطلع على ما آتاه الله في الجنة من المغفرة والكرامة ، يذكر قومه طيب القلب رضي النفس ، يتمنى لو يراه قومه ويرون ما آتاه ربه من الرضى والكرامة ، ليعرفوا الحق ، معرفة اليقين .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

" بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " وقرئ " من المكرمين " وفي معنى تمنيه قولان : أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته . الثاني تمنى ذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله . قال ابن عباس : نصح قومه حيا وميتا . رفعه القشيري فقال : وفي الخبر أنه عليه السلام قال في هذه الآية ( إنه نصح لهم في حياته وبعد موته ) . وقال ابن أبي ليلى : سُبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب وهو أفضلهم ، ومؤمن آل فرعون ، وصاحب يس ، فهم الصديقون . ذكره الزمخشري مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي هذه الآية تنبيه عظيم ، ودلالة على وجوب كظم الغيظ ، والحلم عن أهل الجهل . والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي ، والتشمر في تخليصه ، والتلطف في افتدائه ، والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه . ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته ، والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

ولما أريد التصريح بوقوع الإحسان إليه ، حل المصدر إلى قوله : { بما غفر لي } أي أوقع الستر لما كنت مرتكباً له طول عمري من الكفر به بإيمان في مدة يسيرة { ربي } أي الذي أحسن إلي في الأخرى بعد إحسانه في الدنيا { وجعلني } ولما كان الأنس أعظم فوز ، عدل عن أن يقول " مكرماً " إلى قوله : { من المكرمين * } أي الذين أعطاهم الدرجات العلى بقطعهم جميع أعمارهم في العبادة ، فنصح لقومه حياً وميتاً يتمنى علمهم بإكرامه تعالى له ليعملوا مثل عمله فينالوا ما ناله ، وفي قصته حث على المبادرة إلى مفارقة الأشرار واتباع الأخيار ، والحلم عن أهل الحهل وكظم الغيظ ، والتلطف في خلاص الظالم من ظلمه ، وأنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله وإن كان محسناً ، وهذا كما وقع للأنصار رضي الله عنهم في المبادرة إلى الإيمان مع بعد الدار والنسب ، وفي قول من استشهد منهم في بئر معونة - كما رواه البخاري في المغازي عن أنس رضي الله عنه : بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ، وفي غزوة أحد كما في السيرة وغيرها لما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب ، فقال تبارك وتعالى : فأنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } الآيات في سورة آل عمران ، وفي التمثيل بهذه القصة إشارة إلى أن في قريش من ختم بموته على الكفر ولم ينقص ما ضرب له من الأجل ، فهو سبحانه يؤيد هذا الدين بغيرهم لتظهر قدرته وليستوفي الآجال أولئك ، ثم يقبل بقلوب غيرهم ، فتظهر مع ذلك حكمته - إلى غير ذلك من ينابيع المعاني ، وثابت المباني .