ثم يتم المشهد بمنظر ثالث حي شاخص بما فيه من حوار : فها هي ذي جماعة من أولئك الطاغين من أهل جهنم . كانت في الدنيا متوادة متحابة . فهي اليوم متناكرة متنابذة كان بعضهم يملي لبعض في الضلال . وكان بعضهم يتعالى على المؤمنين ، ويهزأ من دعوتهم ودعواهم في النعيم . كما يصنع الملأ من قريش وهم يقولون :
( أأنزل عليه الذكر من بيننا ? ) . .
ها هم أولاء يقتحمون النار فوجاً بعد فوج وها هم أولاء يقول بعضهم لبعض : ( هذا فوج مقتحم معكم ) . .
فماذا يكون الجواب ? يكون الجواب في إندفاع وحنق : ( لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار ) !
قوله تعالى : ( هذا فوج مقتحم معكم ) قال ابن عباس : هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع ، قالت الخزنة للقادة : " هذا فوج " يعني الأتباع والفوج الجماعة " مقتحم معكم " أي داخل النار معكم ، فقالت السادة : " لا مرحبا بهم "
قوله تعالى : ( لا مرحبا بهم ) أي : لا اتسعت منازلهم في النار . والرحب السعة ، ومنه رحبة المسجد وغيره . وهو في مذهب الدعاء فلذلك نصب . قال النابغة :
لا مرحبا بغدٍ ولا أهلاً به *** إن كان تفريقُ الأحبة في غَدِ
قال أبو عبيدة العرب تقول : لا مرحبا بك ، أي لا رحبت عليك الأرض ولا اتسعت . " إنهم صالو النار " قيل : هو من قول القادة ، أي إنهم صالو النار كما صليناها . وقيل : هو من قول الملائكة متصل بقولهم : " هذا فوج مقتحم معكم "
ولما كان مما أفهمه الكتاب في هذا الخطاب أن الطاغين الداخلين إلى جهنم أصناف كثيرة ، وكانت العادة جارية بأن الأصناف إذا اجتمعوا كانت بينهم محاورات ولا سيما إن كانوا من الطغاة العتاة ، تحرك السامع إلى تعرف ذلك فقال تعالى مستأنفاً جوابه بما يدل على تقاولهم بأقبح المقاولة وهو التخاصم الناشىء عن التباغض والتدابر الذي من شأنه أن يقع بين الذين دبروا أمراً فعاد عليهم بالوبال في أن كلاًّ منهم يحيل ما وقع به العكس على صاحبه ، وذلك أشد لعذابهم : { هذا } أي قال أطغى الطغاة لما دخلوها أولاً كما هم أهل له لأنهم ضالون مضلون ورأوا جمعاً من الأتباع داخلاً عليهم : هذا { فوج } أي جماعة كثيفة مشاة مسرعون . ولما كانوا يدخلونها من شدة ما تدفعهم الزبانية على هيئة الواثب قال مشيراً بالتعبير بالوصف مفرداً إلى أنهم في الموافقة فيه والتسابق كأنهم نفس واحدة : { مقتحم } أي رام بنفسه في الشدة بشدة فجاءة بلا روية كائناً { معكم } .
ولما كان أهل النار يؤذي بعضهم بعضاً بالشهيق والزفير والزحام والدفاع والبكاء والعويل وما يسيل من بعضهم على بعض من القيح والصديد وغير ذلك من أنواع النكد ، ولا سيما إن كانوا أتباعاً لهم في الدنيا ، فصاروا مثلهم في ذلك الدخول في الرتبة ، لا يتحاشون عن دفاعهم وخصامهم ونزاعهم ، قالوا استئنافاً : { لا مرحباً } ثم بينوا المدعو عليه فقالوا : { بهم } وهي كلمة واقعة في أتم مواقعها لأنها دالة على التضجر والبغضة مع الصدق في أهل مدلولها الذي هو مصادقة الضيق ، مفعل من الرحب مصدر ميمي وهو السعة ، أي لا كان بهم سعة أصلاً ولا اتسعت بهم هذه الأماكن ولا هذه الأزمان ولا حصلت لهم ولا بهم راحة ، ولذلك عللوا استحقاقهم لهذا الدعاء بقولهم مؤكدين لما كان استقر في نفوسهم وتطاول عليه الزمان من إنكارهم له : { إنهم صالوا النار * } أي ومن صليها صادف من الضيق ما لم يصادفه أحد وآذى كل من جاوره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.