في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا} (46)

36

( وداعيا إلى الله ) . . لا إلى دنيا ، ولا إلى مجد ، ولا إلى عزة قومية ، ولا إلى عصبية جاهلية ، ولا إلى مغنم ، ولا إلى سلطان أو جاه . ولكن داعيا إلى الله . في طريق واحد يصل إلى الله( بإذنه ) . . فما هو بمبتدع ، ولا بمتطوع ، ولا بقائل من عنده شيئا . إنما هو إذن الله له وأمره لا يتعداه . ( وسراجا منيرا ) . . يجلو الظلمات ، ويكشف الشبهات ، وينير الطريق ، نورا هادئا هاديا كالسراج المنير في الظلمات .

وهكذا كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وما جاء به من النور . جاء بالتصور الواضح البين النير لهذا الوجود ، ولعلاقة الوجود بالخالق ، ولمكان الكائن الإنساني من هذا الوجود وخالقه ، وللقيم التي يقوم عليها الوجود كله ، ويقوم عليها وجود هذا الإنسان فيه ؛ وللمنشأ والمصير ، والهدف والغاية ، والطريق والوسيلة . في قول فصل لا شبهة فيه ولا غموض . وفي أسلوب يخاطب الفطرة خطابا مباشرا وينفذ إليها من أقرب السبل وأوسع الأبواب وأعمق المسالك والدروب !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا} (46)

الرابع : كونه { دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ } أي : أرسله اللّه ، يدعو الخلق إلى ربهم ، ويسوقهم{[708]}  لكرامته ، ويأمرهم بعبادته ، التي خلقوا لها ، وذلك يستلزم استقامته ، على ما يدعو إليه ، وذكر تفاصيل ما يدعو إليه ، بتعريفهم لربهم بصفاته المقدسة ، وتنزيهه عما لا يليق بجلاله ، وذكر أنواع العبودية ، والدعوة إلى اللّه بأقرب طريق موصل إليه ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وإخلاص الدعوة إلى اللّه ، لا إلى نفسه وتعظيمها ، كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام ، وذلك كله بِإِذْنِ الله تعالى له في الدعوة وأمره وإرادته وقدره .

الخامس : كونه { سِرَاجًا مُنِيرًا } وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة ، لا نور ، يهتدى به في ظلماتها ، ولا علم ، يستدل به في جهالاتها{[709]}  حتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم ، فأضاء اللّه به تلك الظلمات ، وعلم به من الجهالات ، وهدى به ضُلَّالًا إلى الصراط المستقيم .

فأصبح أهل الاستقامة ، قد وضح لهم الطريق ، فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا به الخير والشر ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ، واستناروا به ، لمعرفة معبودهم ، وعرفوه بأوصافه الحميدة ، وأفعاله السديدة ، وأحكامه الرشيدة .


[708]:- في ب: يشوقهم.
[709]:- كذا في ب، وفي أ: جهاتها.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا} (46)

هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، وتكريم لجميعهم . وهذه الآية من أسمائه صلى الله عليه وسلم ست أسماء ولنبينا صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة وسمات جليلة ، ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة . وقد سماه الله في كتابه محمدا وأحمد . وقال صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه الثقات العدول : ( لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ) . وفي صحيح مسلم حديث جبير بن مطعم : وقد سماه الله " رؤوفا رحيما " . وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء ، فيقول : ( أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ) . وقد تتبع القاضي أبو الفضل عياض في كتابه المسمى ( بالشفا ) ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول صلى الله عليه وسلم ومما نقل في الكتب المتقدمة{[12852]} ، وإطلاق الأمة أسماء كثيرة وصفات عديدة ، قد صدقت عليه صلى الله عليه وسلم مسمياتها ، ووجدت فيه معانيها . وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه في هذه الآية من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم سبعة وستين اسما وذكر صاحب ( وسيلة المتعبدين إلى متابعة سيد المرسلين ) عن ابن عباس أن لمحمد صلى الله عليه وسلم مائة وثمانين اسما ، من أرادها وجدها هناك . وقال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذا ، فبعثهما إلى اليمن ، وقال : ( اذهبا فبشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا فإنه قد أنزل عليّ ) وقرأ هذه الآية .

قوله تعالى : " شاهدا " قال سعيد عن قتادة : " شاهدا " على أمته بالتبليغ إليهم ، وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم ، ونحو ذلك " ومبشرا " معناه للمؤمنين برحمة الله وبالجنة " ونذيرا " معناه للعصاة والمكذبين من النار وعذاب الخلد . " وداعيا إلى الله " الدعاء إلى الله هو تبليغ التوحيد والأخذ به ، ومكافحة الكفرة . " بإذنه " هنا معناه : بأمره إياك ، وتقديره ذلك في وقته وأوانه . " وسراجا منيرا " هنا استعارة للنور الذي يتضمنه شرعه . وقيل : " وسراجا " أي هاديا من ظلم الضلالة ، وأنت كالمصباح المضيء . ووصفه بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء ، إذا قل سليطه{[12853]} ودقت فتيلته . وفي كلام بعضهم : ثلاثة تضني : رسول بطيء ، وسراج لا يضيء ، ومائدة ينتظر لها من يجيء . وسئل بعضهم عن الموحشين فقال : ظلام ساتر وسراج فاتر . وأسند النحاس قال : حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال حدثنا عبد الرحمن ، بن محمد المحاربي عن شيبان النحوي قال حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذا فقال : ( انطلقا فبشرا ولا تعسرا فإنه قد نزل عليّ الليلة آية " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا . ومبشرا ونذيرا - من النار - وداعيا إلى الله - قال - شهادة أن لا إله إلا الله - بإذنه - بأمره - وسراجا منيرا - قال - بالقرآن " . وقال الزجاج : " وسراجا " أي وذا سراج منير ، أي كتاب نير . وأجاز أيضا أن يكون بمعنى : وتاليا كتاب الله .


[12852]:في ا و ش:" القديمة".
[12853]:السليط: الزيت.