البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا} (46)

{ وداعياً إلى الله } ، قال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله .

وقال ابن عيسى : إلى الطاعة .

{ بإذنه } : أي بتسهيله وتيسيره ، ولا يراد به حقيقة الإذن ، لأنه قد فهم في قوله : إنا أرسلناك داعياً أنه مأذون له في الدعاء .

ولما كان دعاء المشرك إلى التوحيد صعباً جداً ، قيل : بإذنه ، أي بتسهيله تعالى .

و { سراجاً منيراً } : جلي من ظلمات الشرك ، واهتدى به الضالون ، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير .

ويهتدى به إذا مد الله بنور نبوته نور البصائر ، كما يمد بنور السراج نور الأبصار .

ووصفه بالإنارة ، لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته .

وقال الزجاج : هو معطوف على { شاهداً } ، أي وذا سراج منير ، أي كتاب نير .

وقال الفراء : إن شئت كان نصباً على معنى : وتالياً سراجاً منيراً .

وقال الزمخشري ؛ ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف { أرسلناك } . انتهى .

ولا يتضح هذا الذي قاله ، إذ يصير المعنى : أرسلنا ذا سراج منير ، وهو القرآن .

ولا يوصف بالإرسال القرآن ، إنما يوصف بالإنزال .

وكذلك أيضاً إذا كان التقدير : وتالياً ، يصير المعنى : أرسلنا تالياً سراجاً منيراً ، ففيه عطف الصفة التي للذات على الذات ، كقولك : رأيت زيداً والعالم .

إذا كان العالم صفة لزيد ، والعطف مشعر بالتغاير ، لا يحسن مثل هذا التخريج في كلام الله ، وثم حمل على ما تقتضيه الفصاحة والبلاغة .

ولما ذكر تعالى أنه أرسل نبيه { شاهداً } إلى آخره ، تضمن ذلك الأمر بتلك الأحوال ، فكأنه قال ؛ فاشهد وبشر وأنذر وادع وانه ،