اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا} (46)

{ وَدَاعِياً إِلَى الله } إلى توحيده وطاعته ، وقوله «بِإِذْنِهِ » حال أي ملتبساً بتسهيله ، ولا يريد حقيقة الإذن لأنه مستفاد من «أَرْسَلْنَاكَ »{[43670]} .

قوله : «وَسِرَاجاً » يجوز أن يكون عطفاً على ما تقدم ، إما على التشبيه ، إما على حذف مضاف أي ذا سراج{[43671]} ، وجوز الفَرَّاءُ أن يكون الأصل : وتالياً سراجاً ، ويعني بالسِّراج القرآن{[43672]} ، وعلى هذا فيكون من عطف الصفات وهي لذات واحدة ، لأن التالي هو المرسل . وجوز الزمخشري أن يعطف على{[43673]} مفعول «أَرْسَلْنَاكَ » وفيه نظر لأن السراج هو القرآن ولا يوصف بالإرسال بل بالإنزال إلاَّ أن يقال : إنه حمل على المعنى كقوله :

4096 - فَعَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً *** [ حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا ]{[43674]}

وأيضاً فيغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل ، وقوله : «مُنِيراً » لأنه يهتدى{[43675]} به كالسِّراج يستضاء به في الظلمة . واعلم{[43676]} أنَّ في قوله : «سِرَاجاً » ولم يقل : إنه شمس مع أن الشمس أشد إضاءة من السراج فائدةً وهي أن نور الشمس لا يؤخذ منه شيء ، والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة إذا انطفى الأول يبقى الذي أخذ منه وكذلك إن غاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كُلُّ صحابي كذلك سراجاً يؤخذ منه نور الهداية كما قال عليه ( الصلاة{[43677]} و ) السلام :

«أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ »{[43678]} وفي هذا الخبر لطيفة وهي أن النبي عليه ( الصلاة{[43679]} و ) السلام لم يجعل أصحابه كالسراج وجعلهم كالنجوم لأن النجم لا يؤخذ منه ( نور{[43680]} ) بل له في نفسه نور إذا غرب لا يبقى نور مستفاد منه فكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنور النبي - صلى الله عليه وسلم – ولا يأخذ إلا قول النبي – عليه ( الصلاة{[43681]} و ) السلام- وعليه فأنوار المجتهدين كلهم من النبي- صلى الله عليه وسلم- ولو جعلهم كالسِّراج والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان سراجاً كان للمجتهد أن يَسْتَنِيرَ بمَنْ أراد منهم ، ويأخذ النور مِمَّن اختار وليس كذلك فإن مع نص النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُعْمَل بقول الصَّحابيِّ بل يؤخذ النور من النبي ولا يؤخذ من الصحابي ، فلم يجعله سراجاً .


[43670]:المرجعان السابقان.
[43671]:السابقان.
[43672]:نقل هذا الرأي للفراء أبو حيان في بحره 7/238 ولم أجده في كتابه معاني القرآن ولعله في كتاب آخر له.
[43673]:قال: " ويجوز أن يعطف على كاف أرسلناك" انظر: الكشاف 3/266.
[43674]:هذا بيت من الرجز ذكره الفراء في معانيه 1/14 ونسبه لبعض بني أسد، وفي 3/124 ونسبه لبعض بني دبير وقد نسبه ابن جني في الخصائص لذي الرمة. انظر: الخصائص 2/431. وانظر: الدر المصون 4/90 و 394 واللسان: " ع ل ف" 3070، والحجة للفارسي 1/233 وأمالي المرتضى 2/259.
[43675]:في "ب" مهتدى بالاسمية.
[43676]:قرره الفخر الرازي في تفسيره 25/217.
[43677]:ساقط من "ب".
[43678]:المرجع السابق.
[43679]:سواقط من "أ" والفخر الرازي وزيادة من "ب".
[43680]:سواقط من "أ" والفخر الرازي وزيادة من "ب".
[43681]:سواقط من "أ" والفخر الرازي وزيادة من "ب".