السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا} (46)

{ وداعياً إلى الله } أي : إلى توحيده وطاعته ، وقوله تعالى : { بإذنه } حال أي : متلبساً بتسهيله ، ولا يريد حقيقة الإذن ؛ لأنه مستفاد من أرسلناك { وسراجاً } أي : مثله في الاهتداء به يمد البصائر فيجلي ظلمات الجهل بالعلم للمبصر لمواقع الزلل كما يمد النور الحسي نور الإبصار { منيراً } أي : نيراً على من اتبعه فيصير في أعظم ضياء ، ومن تخلف عنه كان في أشد ظلام . وعبر به دون الشمس مع أن الشمس أشد إضاءة من السراج ؛ لأن نور الشمس لا يؤخذ منه شيء ، والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة ، إذا انطفأ الأول يبقى الذي أخذ منه ، وكذلك إن غاب النبي صلى الله عليه وسلم كان كل صحابي سراجاً يؤخذ منه نور الهداية كما قال صلى الله عليه وسلم : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » .

قال ابن عادل : وفي هذا الخبر لطيفة : وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل أصحابه كالسرج وجعلهم كالنجوم ، لأن النجم لا يؤخذ منه نور بل له في نفسه نور إذا غرب لا يبقى نور يستفاد منه ، فكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنور النبي صلى الله عليه وسلم فلا يؤخذ إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ، فأنوار المجتهدين كلهم من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو جعلهم كالسرج والنبي صلى الله عليه وسلم كان سراجاً كان للمجتهد أن يستنير بمن أراد منهم ويأخذ النور ممن اختار وليس كذلك ، فإن مع نص النبي صلى الله عليه وسلم لا يعمل بقول الصحابي ، بل يؤخذ النور من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤخذ من الصحابي فلم يجعله سراجاً .

تنبيه : جوز الفراء أن يكون الأصل وتالياً سراجاً ، ويعني بالسراج : القرآن ، وعلى هذا فيكون من عطف الصفات وهي الذات واحدة ؛ لأن التالي هو المرسل .