في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ} (3)

وكذلك خلقة الذكر والأنثى . . إنها في الانسان والثدييات الحيوانية نطفة تستقر في رحم . وخلية تتحد ببويضة . ففيم هذا الاختلاف في نهاية المطاف ? ما الذي يقول لهذه : كوني ذكرا . ويقول لهذه : كوني أنثى ? . . إن كشف هذه العوامل التي تجعل هذه النطفة تصبح ذكرا ، وهذه تصبح أنثى لا يغير من واقع الأمر شيئا . . فإنه لماذا تتوفر هذه العوامل هنا وهذه العوامل هناك ? وكيف يتفق أن تكون صيرورة هذه ذكرا ، وصيرورة هذه أنثى هو الحدث الذي يتناسق مع خط سير الحياة كلها ، ويكفل امتدادها بالتناسل مرة أخرى ?

مصادفة ? ! إن للمصادفة كذلك قانونا يستحيل معه أن تتوافر هذه الموافقات كلها من قبيل المصادفة . . فلا يبقى إلا أن هنالك مدبرا يخلق الذكر والأنثى لحكمة مرسومة وغاية معلومة . فلا مجال للمصادفة ، ولا مكان للتلقائية في نظام هذا الوجود أصلا .

والذكر والأنثى شاملان بعد ذلك للأنواع كلها غير الثدييات . فهي مطردة في سائر الأحياء ومنها النبات . . قاعدة واحدة في الخلق لا تختلف . لا يتفرد ولا يتوحد إلا الخالق سبحانه الذي ليس كمثله شيء . .

هذه بعض إيحاءات تلك المشاهد الكونية ، وهذه الحقيقة الإنسانية التي يقسم الله - سبحانه - بها ، لعظيم دلالتها وعميق إيقاعها . والتي يجعلها السياق القرآني إطارا لحقيقة العمل والجزاء في الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ} (3)

{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } إن كانت " ما " موصولة ، كان إقسامًا بنفسه الكريمة الموصوفة ، بأنه{[1441]}  خالق الذكور والإناث ، وإن كانت مصدرية ، كان قسمًا بخلقه للذكر والأنثى ، وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكرًا وأنثى ، ليبقى النوع ولا يضمحل ، وقاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة ، وجعل كلًا منهما مناسبًا للآخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين .


[1441]:- في ب: بكونه.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ} (3)

{ وما خلق } ومن خلق { الذكر والأنثى } وهو الله تعالى وجواب القسم وهو قوله { إن سعيكم لشتى }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ} (3)

" وما خلق الذكر والأنثى " قال الحسن : معناه والذي خلق الذكر والأنثى ، فيكون قد أقسم بنفسه عز وجل . وقيل : معناه وخلق الذكر والأنثى ، ( فما ) : مصدرية على ما تقدم . وأهل مكة يقولون للرعد : سبحان ما سبحت له ( فما ) على هذا بمعنى ( من ) ، وهو قول أبي عبيدة وغيره . وقد تقدم . وقيل : المعنى وما خلق من الذكر والأنثى ، فتكون " من " مضمرة ، ويكون القسم منه بأهل طاعته ، من أنبيائه وأوليائه ، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفا . وقال أبو عبيدة : " وما خلق " أي من خلق . وكذا قوله : " والسماء وما بناها " [ الشمس : 5 ] ، " ونفس وما سواها " [ الشمس : 7 ] ، " ما " في هذه المواضع بمعنى من . وروي . ابن مسعود أنه كان يقرأ " والنهار إذا تجلى . والذكر والأنثى " ويسقط " وما خلق " . وفي صحيح مسلم عن علقمة قال : قدمنا الشام ، فأتانا أبو الدرداء ، فقال : فيكم أحد يقرأ عليّ قراءة عبد الله ؟ فقلت : نعم ، أنا . قال : فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية " والليل إذا يغشى " ؟ قال : سمعته يقرأ " والليل إذا يغشى . والذكر والأنثى " قال : وأنا واللّه هكذا سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرؤها ، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ " وما خلق " فلا أتابعهم{[16106]} .

قال أبو بكر الأنباري : وحدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال : أقرأني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " إني أنا الرازق ذو القوة المتين " . قال أبو بكر : كل من هذين الحديثين مردود ، بخلاف الإجماع له ، وأن حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين ، والبناء على سندين يوافقان الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه الإجماع والأمة ، وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه ، أخذ برواية الجماعة ، وأبطل نقل الواحد ؛ لما يجوز عليه من النسيان والإغفال . ولو صح الحديث عن أبي الدرداء وكان إسناده مقبولا معروفا ، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي اللّه عنهم يخالفونه ، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة ، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد ، الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة ، وجميع أهل الملة .

وفي المراد بالذكر والأنثى قولان : أحدهما : آدم وحواء . قاله ابن عباس والحسن والكلبي . الثاني : يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم والبهائم ؛ لأن اللّه تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم . وقيل : كل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية اللّه وطاعته .


[16106]:وفي كتاب الأحكام لابن العربي ما نصه: "هذا مما لا يلتفت إليه بشر، إنما المعول عليه ما في المصحف، فلا تجوز مخالفته لأحد، ثم بعد ذلك يقع النظر فيما يوافق خطه، مما لم يثبت ضبطه حسب ما بيناه في موضعه، فإن القرآن لا يثبت بنقل الواحد وإن كان عدلا، وإنما كان عدلا، وإنما يثبت بالتواتر الذي يقع به العلم، وينقطع معه العذر، وتقوم به الحجة على الخلق".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ} (3)

ولما ذكر المتخالطين معنى ، أتبعهما المتخالطين حساً ، فقال مصرحاً فيهما بما هو مراد في الأول ، وخص هذا بالتصريح تنبيهاً على أنه لكونه عاقلاً - عاقد يغلط في نفسه فيدعي الإلهية أو الاتحاد ، أو غير ذلك من وجوه الإلحاد { وما خلق } وحكم التعبير بما الأغلب فيه غير العقلاء ما تقدم في سورة الشمس من تنبيههم على أنهم لما أشركوا به سبحانه وتعالى ما لا يعقل نزلوه تلك المنزلة وقد أحاط بكل شيء ، وهو الذي خلق العلماء ، وهم لا يحيطون به علماً مع ما يفيده " ما " من التعجب منهم في ذلك لكونها صيغة التعجب { الذكر } أي حساً بآلة الرجل ومعنًى بالهمة والقوة { والأنثى } حساً بآلة المرأة ومعنًى بسفول الهمة وضعف القوة وما دلاّ عليه من عظيم الاصطناع ، وباهر الاختراع والابتداع ، فإنه دل فرقه بينهما وهما من غير ؟ واحدة وهي التراب على تمام قدرته المستلزم لشمول علمه وفعله بالاختيار ، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً الصنعة دلالة على حذفها ثانياً ، وثانياً الصانع دلالة على حذفه أولاً .