( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) . . فهؤلاء هم الذين يبقون على سواء الفطرة ، ويكملونها بالإيمان والعمل الصالح ، ويرتقون بها إلى الكمال المقدر لها ، حتى ينتهوا بها إلى حياة الكمال في دار الكمال . ( فلهم أجر غير ممنون )دائم غير مقطوع .
فأما الذين يرتكسون بفطرتهم إلى أسفل سافلين ، فيظلون ينحدرون بها في المنحدر ، حتى تستقر في الدرك الأسفل . هناك في جهنم ، حيث تهدر آدميتهم ، ويتمحضون للسفول !
فهذه وتلك نهايتان طبيعيتان لنقطة البدء . . إما استقامة على الفطرة القويمة ، وتكميل لها بالإيمان ، ورفع لها بالعمل الصالح . . فهي واصلة في النهاية إلى كمالها المقدر في حياة النعيم . . وإما انحراف عن الفطرة القويمة ، واندفاع مع النكسة ، وانقطاع عن النفخة الإلهية . . فهي واصلة في النهاية إلى دركها المقرر في حياة الجحيم .
ومن ثم تتجلى قيمة الإيمان في حياة الإنسان . . إنه المرتقى الذي تصل فيه الفطرة القويمة إلى غاية كمالها . إنه الحبل الممدود بين الفطرة وبارئها . إنه النور الذي يكشف لها مواقع خطاها في المرتقى الصاعد إلى حياة الخالدين المكرمين .
وحين ينقطع هذا الحبل ، وحين ينطفئ هذا النور ، فالنتيجة الحتمية هي الارتكاس في المنحدر الهابط إلى أسفل سافلين ، والانتهاء إلى إهدار الآدمية كلية ، حين يتمحض الطين في الكائن البشري ، فإذا هو وقود النار مع الحجارة سواء بسواء !
6- إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون .
أي أن الكافر والعاصي يرد إلى أسفل سافلين في جهنم ، لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم في الآخرة ثواب أعمالهم غير منقوص ، للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . . . ( يونس : 26 ) . حيث تزداد وجوههم حسنا ونضارة ، وإشراقا ونورا ، بسبب النعيم الذي يتمتعون به ، وبسبب رضوان الله عليهم ، وبسبب الشباب والقوة والنعمة التي يمنحها الله لأهل الجنة ، فلهم أن يشبّوا فلا يهرموا أبدا ، ولهم أن ينعموا فلا يصيبهم البؤس وقالوا الحمد لله الذي أذهب هنا الحزن إن ربنا لغفور شكور . ( فاطر : 34 ) .
لكن الذين كانوا مؤمنين صالحين من الزّمنى والهرمى فلهم ثواب متصل دائم لا ينقص بالهرم وقلة العمل ، ( جزاء امتثالهم ، وصبرهم على الابتلاء بالشيخوخة والهرم ، ومقاساة المشاق ، والقيام بالعبادة مع ضعفهم ووهنهم .
أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس أنه قال في الآية : إذا كبر العبد وضعف عن العمل كتب له ما كان يعمل في شبيبته )iii .
ثم استثنى فقال :{ إلا الذين آمنوا } فإنهم لا يردون إلى النار . ومن قال بالقول الأول قال : رددناه أسفل سافلين ، فزالت عقولهم وانقطعت أعمالهم ، فلا يكتب لهم حسنة إلا الذين آمنوا . { وعملوا الصالحات } فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف ، مثل الذين كانوا يعملون في حال الشباب والصحة . قال ابن عباس : هم نفر ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى عذرهم . فأخبر أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم . قال عكرمة : لم يضر هذا الشيخ كبره إذ ختم الله له بأحسن ما كان يعمل . وروى عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال : { إلا الذين قرؤوا القرآن } وقال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر . { فلهم أجر غير ممنون } غير مقطوع ، لأنه يكتب له كصالح ما كان يعمل . قال الضحاك : أجر بغير عمل .
{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } فيه قولان :
أحدهما : أن أحسن التقويم هو حسن الصورة وكمال العقل والشباب والقوة ، وأسفل سافلين الضعف والهرم والخرف فهو كقوله تعالى : { ومن نعمره ننكسه في الخلق } [ يس : 68 ] وقوله : { جعل من بعد قوة ضعفا } [ الروم : 54 ] وقوله : { إلا الذين آمنوا } بعد هذا غير متصل بما قبله ، والاستثناء على هذا القول منقطع بمعنى لكن ؛ لأنه خارج عن معنى الكلام الأول .
والآخر : أن حسن التقويم الفطرة على الإيمان ، وأسفل سافلين الكفر أو تشويه الصورة في النار ، والاستثناء على هذا متصل ؛ لأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لم يردوا أسفل سافلين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.