فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (6)

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } هذا الاستثناء منقطع على القول الأول أي لكن الذين آمنوا الخ ووجه أن الهرم والرد إلى أرذل العمر يصاب به المؤمن كما يصاب به الكافر فلا يكون لاستثناء المؤمنين على وجه الاتصال معنى ، وعلى القول الثاني متصل من ضمير رددناه فإنه في معنى الجمع ، أي رددنا الإنسان أسفل سافلين من النار إلا الذين آمنوا وعلموا الصالحات .

وقال الشهاب : الاستثناء منقطع ؛ لأنه لم يقصد إخراجهم من الحكم وهو مدار الاتصال والانقطاع كما صرح به في الأصول لا الخروج والدخول كما توهم ، فلا يرد عليه أنه كيف يكون منقطعا مع أنهم مردودون أيضا فهو للاستدراك لدفع ما يتوهم من أن التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره ، ويكون { الذين } حينئذ مبتدأ والفاء داخلة في خبره لا للتفريع كما في الاتصال ، وقيل : المعنى رددناه إلى الضلال كما قال { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي إلا هؤلاء فلا يردون إلى ذلك .

{ فلهم أجر غير ممنون } أي غير مقطوع ، فلهم ثواب دائم غير منقطع على طاعاتهم . فهذه الجملة على القول الأول مبينة لكيفية حال المؤمنين ، وعلى الثاني مقررة لما يفيده الاستثناء من خروج المؤمنين عن حكم الرد .

قال ابن عباس في الآية : أجر غير منقوص ، يقول : فإذا بلغ المؤمن أرذل العمر وكان يعمل في شبابه عملا صالحا كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل في صحته وشبابه ، ولم يضره ما عمل في كبره ، ولم تكتب عليه الخطايا التي يعمل بعد ما يبلغ أرذل العمر ، وعنه قال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر . وذلك قوله { ثم رددناه – إلى قوله - الصالحات } قال : لا يكون حتى لا يعلم من بعد علم شيئا ، وعنه قال : يقول : إلى الكبر وضعفه ، فإذا كبر وضعف عن العمل كتب له مثل أجر ما كان يعمل في شبيبته .

وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما " .