الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (6)

{ ثم رددناه أسفل سافلين } يعني : الكافر من ولده .

وعن ابن عباس أن معناه أنه خلق معتدلا مقوما ، وليس شيء من الحيوان إلا خلق منكبا على وجهه إلا الإنسان( {[76523]} ) ، وتقدير الكلام : لقد خلقنا الإنسان في تقويم( {[76524]} ) أحسن تقويم ، ثم حذف الموصوف وقامت الصفة مقامه( {[76525]} ) .

ثم قال : { ثم رددنه أسفل سفلين } أي إلى أرذل العمر من الكبر( {[76526]} ) . ] قاله[ ( {[76527]} ) قتادة( {[76528]} ) والضحاك( {[76529]} ) والنخعي( {[76530]} ) .

وروي أنها نزلت في نفر ( كبروا على عهد الرسول اللهصلى الله عليه وسلم )( {[76531]} ) فسفهت عقولهم ، فسئل عنهم النبيصلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيهم : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } .

أي : لهم أجرهم ] الذي[ ( {[76532]} ) عملوا قبل أن تذهب عقولهم ، ومثله جار عليهم بعد ذهاب عقولهم .

وقال أبو العالية : معناه : ثم رددناه إلى النار في أقبح صورة ، في صورة خنزير . وهو قول مجاهد : والحسن وابن زيد( {[76533]} ) . ويكون الاستثناء على هذا القول معناه : إلا الذين آمنوا فلهم الجنة .

والإنسان : اسم للجنس ، فلذلك وقع الاستثناء منه . ويدل على أنه بمعنى الجماعة قوله : { أسفل سافلين } ولو( {[76534]} ) أريد( {[76535]} ) به الواحد لقال : " أسفل سافل " . تقول : " هذا أفضل قائم " ، ولا تقول : " أفضل قائمين " ، لأن المشار إليه واحد . ولو قلت : " هؤلاء أفضل قائمين " ( {[76536]} ) حسن ، لأن الأول( {[76537]} ) جمع .

وقال عكرمة : { أسف سافلين } : أرذل( {[76538]} ) العمر ، لكنه قال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر . يريد : إذا قرأه وهو كبير هرم( {[76539]} ) ، فلم يرد إلى أرذل العمر . واستدل على ذلك بقوله تعالى : { لكي لا يعلم بعد علم شيئا }( {[76540]} ) .

وقيل : إن قوله : { إلا الذين لآمنوا } استثناء( {[76541]} ) منقطع ، بدلالة حسن " أن " مع " إلآ " وتقديره( {[76542]} ) : إلا ( أن )( {[76543]} ) الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون بعد أن ] يردوا[ ( {[76544]} ) ( إلى )( {[76545]} ) أرذل العمر ، أي : أجرهم جار عليهم على مثال( {[76546]} ) أعمالهم في صحتهم( {[76547]} ) .

قال ابن عباس : { إلا الذين لآمنوا وعملوا( {[76548]} ) الصالحات } الآية( {[76549]} ) :

هو إذا كان الرجل يعمل بطاعة الله جل وعز في شبابه كله ثم كبر حتى ذهب عقله ، كتب له مثل عمله الصالح الذي كان يعمل في شبيبته( {[76550]} ) ، ولم( {[76551]} ) يؤاخذ بشيء مما عمل في كبره وذهاب عقله من أجل أنه مؤمن كان يطيع الله في صحته وشبيبته( {[76552]} ) .

وقال إبراهيم : إذا بلغ المؤمن أرذل العمر ، كتب له أحسن ما كان يعمل في شبابه وصحته ، فهو قوله : { فلهم أجر غير ممنون }( {[76553]} ) .

وقال ابن عباس أيضا : معناه : إلا الذي آمنوا وعملوا الصالحات ، فإنهم تكتب لهم حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم( {[76554]} ) ، وقال : هم الذين أدركهم الكبر ، لا يؤاخذون( {[76555]} ) بعمل عملوه في كبرهم وهم لا يعقلون( {[76556]} ) .

وروي في معنى هذا الاستثناء أن العبد إذا كان في شبابه كثير( {[76557]} ) فعل الخير ، ثم كبر وضعف عما كان يعمل ، أجرى( {[76558]} ) الله أجر ذلك العمل عليه تفضلا منه( {[76559]} ) .

ومعنى { غير ممنون } : غير منقطع( {[76560]} ) .

وقيل : معناه لا يمن بذلك عليهم( {[76561]} ) .

والأول الأحسن .

وقال عكرمة : يوفيهم الله أجرهم ولا يؤاخذهم إذا ردوا إلى أرذل العمر( {[76562]} ) .

وقال قتادة : معناه : أن من أدركه الكبر والهرم وكان يعمل عملا صالحا ، كان له مثل أجره( {[76563]} ) .

وقال( {[76564]} ) ابن عباس : { غير ممنون } : غير منقوص( {[76565]} ) .

وقال مجاهد وإبراهيم : " غير ] محسوب[ ( {[76566]} ) " ( {[76567]} ) . وقيل : غير مقطوع( {[76568]} ) .

وقيل : لا يمن عليهم ( به )( {[76569]} ) .


[76523]:جامع البيان 30/244.
[76524]:ث: تقيوم.
[76525]:إعراب النحاس 5/256.
[76526]:انظر جامع البيان 30/233.
[76527]:م، ث: وقاله.
[76528]:جامع البيان 30/244 وعزاه ابن كثير في تفسيره 4/563 إلى ابن عباس وعكرمة. وانظر نحوه عند ابن قتيبة في الغريب، ص:532.
[76529]:تفسير القرطبي 20/115 وعزاه إلى الكلب أيضا.
[76530]:جامع البيان 30/244، وتفسير ابن كثير 4/563 وابن قتيبة في الغريب، ص:532.
[76531]:على هامش أ.
[76532]:م: الذين.
[76533]:ث: خزي. انظر جامع البيان 30/245 ولم يذكر الخنزير إلا في قول أبي العالية.
[76534]:أ: فلو.
[76535]:ث: أراد.
[76536]:ث: قائمين.
[76537]:أ: هؤلاء. ولعه هو الأنسب. وانظر جامع البيان 30/246.
[76538]:أ: الأرذل- ث: أرذل. وهي في عموم خط النسخة اقرب على النون منها إلى الراء.
[76539]:أ: هم (تحريف)، ث: هدم. بالدال وبعيدة جدا عن رسم الراء.
[76540]:بعض من آية 70: النحل، ويشبهه قوله تعالى: ﴿... لكي لا يعلم بعد علم شيئا﴾ الحج: 5. وانظر جامع البيان 30/246 والدر 8/558.

[76541]:ث: الاستثناء.
[76542]:أ: فتقديره.
[76543]:ساقط من ث.
[76544]:في جميع النسخ: يرد. ولعل الصواب ما أثبت.
[76545]:ساقط من أ.
[76546]:ث: مثل.
[76547]:احتمله الطبري، جامع البيان 30/246: مختصرا.
[76548]:ساقط من ث.
[76549]:أ: إلا الذين آمنوا... الآية.
[76550]:أ: شبيته.
[76551]:ث: ولو.
[76552]:جامع البيان 30/246.
[76553]:المصدر السابق 30/246-247.
[76554]:هذا من كلام الطبري يلخص فيه أقوالا، منها قول ابن عباس، جامع البيان 30/247.
[76555]:ث: يؤخذون.
[76556]:جامع البيان 30/247.
[76557]:ث: كثر.
[76558]:ث: أجر.
[76559]:روي هذا المعنى عن قتادة، انظر جامع البيان 30/247، ونحوه عن الضحاك في تفسير القرطبي 20/116.
[76560]:أ، ث: مقطوع. هذا التفسير.
[76561]:انظر هذا القول وما قيل فيه في تفسير سورة القلم الآية:3.
[76562]:جامع البيان 30/247.
[76563]:لم أقف على قول قتادة.
[76564]:أ، ث: قال.
[76565]:جامع البيان 30/248.
[76566]:م: محسوب.
[76567]:جامع البيان 30/248.
[76568]:قاله ابن قتيبة في الغريب، ص:533. وعزاه الماوردي في تفسيره 4/480 إلى ابن عيسى، وحكاه الطبري في جامع البيان 30/248 بدون نسبة.
[76569]:ساقط من أ.