لقد جرى قدر الله أن يظهر هذا الدين ، فكان من الحتم أن يكون :
( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون ) . .
وشهادة الله لهذا الدين بأنه ( الهدى ودين الحق )هي الشهادة . وهي كلمة الفصل التي ليس بعدها زيادة . ولقد تمت إرادة الله فظهر هذا الدين على الدين كله . ظهر في ذاته كدين ، فما يثبت له دين آخر في حقيقته وفي طبيعته . فأما الديانات الوثنية فليست في شيء في هذا المجال . وأما الديانات الكتابية فهذا الدين خاتمتها ، وهو الصورة الأخيرة الكاملة الشاملة منها ، فهو هي ، في الصورة العليا الصالحة إلى نهاية الزمان .
ولقد حرفت تلك الديانات وشوهت ومزقت وزيد عليها ما ليس منها ، ونقصت من أطرافها ، وانتهت لحال لا تصلح معه لشيء من قيادة الحياة . وحتى لو بقيت من غير تحريف ولا تشويه فهي نسخة سابقة لم تشمل كل مطالب الحياة المتجددة أبدا ، لأنها جاءت في تقدير الله لأمد محدود .
فهذا تحقيق وعد الله من ناحية طبيعة الدين وحقيقته . فأما من ناحية واقع الحياة ، فقد صدق وعد الله مرة ، فظهر هذا الدين قوة وحقيقة ونظام حكم على الدين كله فدانت له معظم الرقعة المعمورة في الأرض في مدى قرن من الزمان . ثم زحف زحفا سلميا بعد ذلك إلى قلب آسيا وأفريقية ، حتى دخل فيه بالدعوة المجردة خمسة أضعاف من دخلوا في إبان الحركات الجهادية الأولى . . وما يزال يمتد بنفسه دون دولة واحدة - منذ أن قضت الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على الخلافة الأخيرة في تركيا على يدي " البطل " الذي صنعوه ! - وعلى الرغم من كل ما يرصد له في أنحاء الأرض من حرب وكيد ، ومن تحطيم للحركات الإسلامية الناهضة في كل بلد من بلاد الإسلام على أيدي " أبطال " آخرين من صنع الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على السواء .
وما تزال لهذا الدين أدوار في تاريخ البشرية يؤديها ، ظاهرا بإذن الله على الدين كله تحقيقا لوعد الله ، الذي لا تقف له جهود العبيد المهازيل ، مهما بلغوا من القوة والكيد والتضليل !
ولقد كانت تلك الآيات حافزا للمؤمنين المخاطبين بها على حمل الأمانة التي اختارهم الله لها بعد أن لم يرعها اليهود والنصارى . وكانت تطمينا لقلوبهم وهم ينفذون قدر الله في إظهار دينه الذي أراده ليظهر ، وإن هم إلا أداة . وما تزال حافزا ومطمئنا لقلوب المؤمنين الواثقين بوعد ربهم ، وستظل تبعث في الأجيال القادمة مثل هذه المشاعر حتى يتحقق وعد الله مرة أخرى في واقع الحياة . بإذن الله .
دين الحق : الملة السمحة : ( الإسلام ) .
على الدين كله : على سائر الأديان .
9- { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } .
فالله هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، حاملا دين الهداية ، ودين الحق والعدل ، ليكون هذا الدين الإسلامي كلمة الله الأخيرة إلى خلقه .
فقد أرسل الله الرسل ، وأنزل الكتب والصحف ، وأنزل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، وجعل الإسلام هو الرسالة الكاملة الأخيرة التي تتوافق مع العقل والنقل ، وتُناسب كل زمان ومكان ، لاتفاق الإسلام مع الفطرة .
قال أبو السعود : لقد أنجز الله وعده بإعزاز دين الإسلام ، حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام ، وقد ذكر القرطبي ذلك في تفسيره ، وأفاض ( في ظلال القرآن ) في شرح الآيات .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال: {هو الذي أرسل رسوله} محمدا صلى الله عليه وسلم، {بالهدى ودين الحق} يعني الإسلام، يعني دين محمد صلى الله عليه وسلم {ليظهره على الدين كله} يعني الأديان كلها، ففعل الله تعالى ذلك، وأظهر دين محمد صلى الله عليه وسلم على أهل كل دين...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: الله الذي أرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحقّ، يعني ببيان الحقّ ودين الحقّ يعني: وبدين الله، وهو الإسلام.
وقوله:"لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّه "يقول: ليظهر دينه الحقّ الذي أرسل به رسوله على كلّ دين سواه، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم، وحين تصير الملة واحدة، فلا يكون دين غير الإسلام...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{هو الذي أرسل رسوله بالهدى} يعني بما اتبعوه اهتدوا به.
وقوله تعالى: {ودين الحق} له أوجه ثلاثة؛
أحدها: أن يجعل الحق كناية عن الله تعالى، فكأنه قال: دين الله.
والثاني: أن يجعل الحق نعتا للدين؛ فكأنه قال: ودين الله الذي هو الحق من سائر الأديان.
والثالث: أن يقول: ودين الله الذي يحق على كل أحد قبوله والانقياد له، والله اعلم.
وقوله تعالى: {ليظهره على الدين كله} له وجهان:
أحدهما: أن يقول: {ليظهره} يعني يظهر رسوله عليه السلام على كل ما يحتاج في هذا الدين من النوازل، فيكون فيه بيان أن ما جاء عنه عليه السلام في هذه النوازل إنما هو بالوحي وبما أظهره الله تعالى عليه. ويحتمل إظهار هذا الدين في الأماكن كلها، والدين، هو الخضوع والاستسلام لله تعالى. فحقيقته أن يجعل الأشياء كلها سالمة له.
{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} من دلائل النبوّة؛ لأنه أخبر بذلك والمسلمون في ضعف وقلة وحال خوف مستذلّون مقهورون، فكان مخبره على ما أخبر به؛ لأن الأديان التي كانت في ذلك الزمان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة وعبّاد الأصنام من السِّنْدِ وغيرهم، فلم تَبْقَ من أهل هذه الأديان أمّةٌ إلا وقد ظهر عليهم المسلمون فقهروهم وغلبوهم على جميع بلادهم أو بعضها... فهذا هو مصداق هذه الآية التي وعد الله تعالى رسوله فيها إظهاره على جميع الأديان؛ وقد علمنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ولا يوحي به إلا إلى رسله، فهذه دلالة واضحة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: كيف يكون ذلك إظهاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع الأديان وإنما حدث بعد موته؟ قيل له: إنما وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يظهر دينه على سائر الأديان لأنه قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ} يعني دين الحق، وعلى أنه لو أراد رسوله لكان مستقيماً؛ لأنه إذا أظهر دينه ومن آمن به على سائر الأديان فجائز أن يقال قد أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أن جيشاً لو فتحوا بلداً عنوة جاز أن يقال إن الخليفة فتحه وإن لم يشهد القتال، إذْ كان بأمره وتجهيزه للجيش فعلوا.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَدِينِ الحق} الملة الحنفية {لِيُظْهِرَهُ} ليعليه {عَلَى الدين كُلِّهِ} على جميع الأديان المخالفة له؛ ولعمري لقد فعل، فما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذا تأكيد لأمر الرسالة وشد لأزرها كما يقول الإنسان لأمر يثبته ويقويه أنا فعلته، أي فمن يقدر على معارضته فليعارض، والرسول المشار إليه محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: {على الدين كله} لفظ يصلح للعموم وأن يكون المعنى أو لا يبقى موضع فيه دين غير الإسلام، وهذا لا يكون إلا عند نزول عيسى ابن مريم، قاله مجاهد وأبو هريرة، ويحتمل أن يكون المعنى أن يظهره حتى لا يوجد دين إلا الإسلام أظهر منه، وهذا قد كان ووجد، ثم ندب تعالى المؤمنين وحضهم على الجهاد بهذه التجارة التي بينها، وهي أن يعطي المرء نفسه وماله، ويأخذ ثمناً جنة الخلد.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{هو} أي الذي ثبت أنه جامع لصفات الجمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير، {الذي أرسل} بما له من القوة والإرادة {رسوله} أي الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى {بالهدى} أي البيان الشافي {ودين الحق} أي الملك الذي ثباته لا يدانيه ثبات، فلا ثبات لغيره، فثبات هذا الدين بثباته، ويجوز أن يكون المعنى: والدين الذي هو الحق الثابت في الحقية الكامل فيها كمالاً ليس لغيره، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته إشارة إلى شدة التباسه بها {ليظهره} أي يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع {على الدين} أي جنس الشريعة التي تجعل ليجازي من يسلكها و من يزيغ عنها، بها يشرع فيها من الأحكام {كله} فلا يبقى دين إلا كان دونه وانمحق به وذل أهله له ذلاً لا يقاس به ذل، {ولو كره} أي إظهاره {المشركون} أي المعاندون في كفرهم الراسخون في تلك المعاندة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لقد جرى قدر الله أن يظهر هذا الدين، فكان من الحتم أن يكون:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون)..
وشهادة الله لهذا الدين بأنه (الهدى ودين الحق) هي الشهادة. وهي كلمة الفصل التي ليس بعدها زيادة. ولقد تمت إرادة الله فظهر هذا الدين على الدين كله. ظهر في ذاته كدين، فما يثبت له دين آخر في حقيقته وفي طبيعته. فأما الديانات الوثنية فليست في شيء في هذا المجال. وأما الديانات الكتابية فهذا الدين خاتمتها، وهو الصورة الأخيرة الكاملة الشاملة منها، فهو هي، في الصورة العليا الصالحة إلى نهاية الزمان.
ولقد حرفت تلك الديانات وشوهت ومزقت وزيد عليها ما ليس منها، ونقصت من أطرافها، وانتهت لحال لا تصلح معه لشيء من قيادة الحياة. وحتى لو بقيت من غير تحريف ولا تشويه فهي نسخة سابقة لم تشمل كل مطالب الحياة المتجددة أبدا، لأنها جاءت في تقدير الله لأمد محدود.
فهذا تحقيق وعد الله من ناحية طبيعة الدين وحقيقته. فأما من ناحية واقع الحياة، فقد صدق وعد الله مرة، فظهر هذا الدين قوة وحقيقة ونظام حكم على الدين كله فدانت له معظم الرقعة المعمورة في الأرض في مدى قرن من الزمان. ثم زحف زحفا سلميا بعد ذلك إلى قلب آسيا وأفريقية، حتى دخل فيه بالدعوة المجردة خمسة أضعاف من دخلوا في إبان الحركات الجهادية الأولى.. وما يزال يمتد بنفسه دون دولة واحدة -منذ أن قضت الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على الخلافة الأخيرة في تركيا على يدي "البطل " الذي صنعوه!- وعلى الرغم من كل ما يرصد له في أنحاء الأرض من حرب وكيد، ومن تحطيم للحركات الإسلامية الناهضة في كل بلد من بلاد الإسلام على أيدي " أبطال " آخرين من صنع الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على السواء.
وما تزال لهذا الدين أدوار في تاريخ البشرية يؤديها، ظاهرا بإذن الله على الدين كله تحقيقا لوعد الله، الذي لا تقف له جهود العبيد المهازيل، مهما بلغوا من القوة والكيد والتضليل!
ولقد كانت تلك الآيات حافزا للمؤمنين المخاطبين بها على حمل الأمانة التي اختارهم الله لها بعد أن لم يرعها اليهود والنصارى. وكانت تطمينا لقلوبهم وهم ينفذون قدر الله في إظهار دينه الذي أراده ليظهر، وإن هم إلا أداة. وما تزال حافزا ومطمئنا لقلوب المؤمنين الواثقين بوعد ربهم، وستظل تبعث في الأجيال القادمة مثل هذه المشاعر حتى يتحقق وعد الله مرة أخرى في واقع الحياة. بإذن الله.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا زيادة تحدِّ للمشركين وأحلافهم من أهل الكتاب فيه تقوية لمضمون قوله: {والله متم نوره ولو كره الكافرون} [الصف: 8]. وفيه معنى التعليل للجملة التي قبله. فقد أفاد تعريفُ الجزأيْن في قوله: {هو الذي أرسل رسوله} قصراً إضافياً لقلبِ زَعْم الكافرين أن محمّداً صلى الله عليه وسلم أتى من قِبَلِ نفسه، أي الله لا غيره أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق. وأن شيئاً تولى الله فعله لا يستطيع أحد أن يزيله. وتعليل ذلك بقوله: {ليظهره على الدين كله} إعلام بأن الله أراد ظهور هذا الدين وانتشاره كيلا يطمعوا أن يناله ما نال دين عيسى عليه السّلام من القمع والخفت في أول أمره واستمر زماناً طويلاً حتى تنصَّر قسطنطينُ سلطانُ الروم، فلما أخبر الله بأنه أراد إظهار دين الإِسلام على جميع الأديان عُلم أن أمره لا يزال في ازدياد حتى يتمّ المراد. والإِظهار: النصر ويطلق على التفضيل والإِعلاء المعنوي. والتعريف في قوله: {على الدين} تعريف الجنس المفيد للاستغراق، أي ليعلي هذا الدين الحق على جميع الأديان وينصر أهله على أهل الأديان الأخرى الذين يتعرضون لأهل الإسلام. ويظهر أن لفظ {الدين} مستعمل في كلا معنييه: المعنى الحقيقي وهو الشريعة. والمعنى المجازي وهو أهل الدّين كما تقول: دخلت قرية كذا وأكرمتني، فإظهار الدين على الأديان بكونه أعلى منها تشريعاً وآداباً، وأصلح بجميع الناس لا يخص أمة دون أخرى ولا جيلاً دون جيل. وإظهار أهله على أهل الأديان بنصر أهله على الذين يشاقُّونهم في مدة ظهوره حتى يتمّ أمره ويستغني عمن ينصره. وقد تمّ وعد الله وظهر هذا الدين وملك أهله أمماً كثيرة ثم عرضت عوارض من تفريط المسلمين في إقامة الدين على وجهه فغلبت عليهم أمم، فأمّا الدين فلم يزل عالياً مشهوداً له من علماء الأمم المنصفين بأنه أفضل دين للبشر. وخص المشركون بالذكر هنا إتماماً للذين يكرهون إتمام هذا النور، وظهور هذا الدين على جميع الأديان. ويعلم أن غير المشركين يكرهون ظهور هذا الدين لأنهم أرادوا إطفاء نور الدين لأنهم يكرهون ظهور هذا الدين فحصل في الكلام احتباك.
قوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } أي محمدا بالحق والرشاد ، { ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } أي بالحجج ، ومن الظهور الغلبة باليد في القتال ، وليس المراد بالظهور ألا يبقى دين آخر من الأديان ، بل المراد يكون أهل الإسلام عالين غالبين . ومن الإظهار ألا يبقى دين سوى الإسلام في آخر الزمان . قال مجاهد : وذلك إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض دين إلا دين الإسلام . وقال أبو هريرة : { ليظهره على الدين كله } بخروج عيسى . وحينئذ لا يبقى كافر إلا أسلم . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القِلاَص{[14945]} فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليَدْعُوَنّ إلى المال فلا يقبله أحد ) . وقيل : " ليظهره " أي ليطلع محمدا صلى الله عليه وسلم على سائر الأديان ، حتى يكون عالما بها عارفا بوجوه بطلانها ، وبما حرفوا وغيروا منها . " على الدين " أي الأديان ؛ لأن الدين مصدر يعبر به عن جمع .
ولما أخبر بذلك ، علله بما هو شأن كل ملك فكيف بالواحد في ملكه فقال : { هو } أي الذي ثبت أنه جامع لصفات الجمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير ، { الذي أرسل }{[65065]} بما له من القوة والإرادة{[65066]} { رسوله } أي الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته ، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى { بالهدى } أي البيان الشافي { ودين الحق } أي الملك الذي ثباته لا يدانيه ثبات ، فلا ثبات لغيره ، فثبات هذا الدين بثباته ، ويجوز أن يكون المعنى : والدين الذي هو الحق الثابت في الحقية{[65067]} الكامل فيها كمالاً ليس لغيره ، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته إشارة إلى شدة التباسه بها{[65068]} { ليظهره } أي يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع { على الدين } أي جنس الشريعة التي تجعل ليجازي من يسلكها و{[65069]}من يزيغ{[65070]} عنها ، بها يشرع فيها من الأحكام { كله } فلا يبقى دين إلا كان دونه وانمحق به وذل أهله له ذلاً لا يقاس به ذل ، { ولو كره } أي{[65071]} إظهاره { المشركون * } أي المعاندون في كفرهم{[65072]} الراسخون في تلك المعاندة ، وأعظم مراد بهذا أهل العناد ببدعة الاتحاد ، فإنهم ما تركوا شيئاً مما سواه حتى أشركوا به - تعالى الله{[65073]} عما يقولون علواً كبيراً ، - وهم مع بعد نحلتهم من العقول وفسادها من الأوهام ومصادمتها لجميع النقول في غاية الكثرة لمصير الناس إلى ما وعد الله ورسوله - وصدق الله ورسوله{[65074]} - من أن أكثرهم قد مرجت عهودهم{[65075]} وخفيت أماناتهم{[65076]} وصاروا حثالة كحثالة التمر لا يعبأ الله بهم ، لكنهم على كثرتهم بما تضمنته هذه الآية في أمثالها في غاية الذل ولله الحمد لا عز لهم إلا بإظهار الاتباع للكتاب{[65077]} والسنة وهم يعلمون أنهم يكذبون في هذه الدعوى لأنهم في غاية المخالفة لهما{[65078]} بحيث يعتقدون أنهما شرك لإثباتهما لله تعالى وجوداً يخالف وجود الخلق وهم يقولون مكابرة للضرورة أن الوجود واحد وأنه لا موجود ظاهراً وباطناً سواه ، ولذلك سموا الوجود به ثم{[65079]} لا يردهم علمهم بذلهم وأنهم لا عز لهم إلا بحمى الشريعة عن ضلالهم فأعجب لذلك وألجأ إلى الله تعالى بسؤال العافية ، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، وضربهم بالذل مع كثرتهم في {[65080]}غاية الدلالة على الله سبحانه لأن الملك الكامل القدرة لا يقر من يطعن في ملكه ويسعى في رد رسالته وإهانة رسله ولقد أنجز سبحانه كثيراً من وعده بما دل{[65081]} - لكونه تغليباً على أقوى الملوك من الأكاسرة والقياصرة{[65082]} - على القدرة على الباقين ، وذلك أنه لما تقاعد قومه عن نصرته وانتدبوا لتكذيبه وجحدواما شاهدوه من صدقه يسر{[65083]} الله له أنصاراً من أمته هم {[65084]}نزاع القبائل{[65085]} وأجاد الأفاضل وسادات الأماثل فبلغوا في تأييده أقصى الأمل .
قوله : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } الله أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس ومعه الهداية والرشاد ودين الحق وهو الإسلام ، { ليظهره على الدين كله } أي ليكون الإسلام مهيمنا على الأديان كلها ، وليكون هو الغالب في العالمين ، وذلك بأمر الله الذي بيده المقاليد والمقادير جميعا ، وبما يتجلى في الإسلام من خصائص الكمال والاستقامة والصلوح ، فإنه بذلك كله ظاهر وغالب ومهيمن على الدين كله بالرغم من تربص المشركين وكراهيتهم لهذا الدين وفظيع تمالئهم عليه{[4527]} .