السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (9)

{ هو } أي : الذي ثبت أنه جامع لصفات الكمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير ، { الذي أرسل رسوله } أي : الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته ، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى { بالهدى } أي : البيان الشافي بالقرآن والمعجزة ، { ودين الحق } أي : والملة الحنيفية { ليظهره } أي : يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع { على الدين } أي : جنس الشريعة التي ستجعل ليجازى من يسلكها ومن يزغ عنها بما يشرع فيها من الأحكام { كله } فلا يبقى دين إلا كان دونه ، وانمحق به وذل أهله ذلاً لا يقاس به ذل { ولو كره } أي : إظهاره { المشركون } أي : المعاندون في كفرهم الراسخون في سلك المعاندة .

فإن قيل : قال أولاً : { ولو كره الكافرون } ، وقال ثانياً : { ولو كره المشركون } ، فما الحكمة في ذلك ؟ .

أجيب : بأنه تعالى أرسل رسوله ، وهو من نعم الله تعالى ، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال :{ ولو كره الكافرون } لأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك فالمراد من الكافرين هنا اليهود والنصارى والمشركون ، فلفظ الكافر أليق به . وأما قوله تعالى : { ولو كره المشركون } فذلك عند إنكارهم التوحيد وإصرارهم عليه ، لأنه صلى الله عليه وسلم في ابتداء الدعوة أمر بالتوحيد بلا إله إلا الله فلم يقولوها ، فلهذا قال : { ولو كره المشركون } .