في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

ثم يرسم مشهدا لجهنم هذه ، وهي تستقبل الذين كفروا في غيظ وحنق شديد :

( إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور . تكاد تميز من الغيظ ! ) . .

وجهنم هنا مخلوقة حية ، تكظم غيظها ، فترتفع أنفاسها في شهيق وتفور ؛ ويملأ جوانحها الغيظ فتكاد تتمزق من الغيظ الكظيم وهي تنطوي على بغض وكره يبلغ إلى حد الغيظ والحنق على الكافرين !

والتعبير في ظاهره يبدو مجازا تصويريا لحالة جهنم . ولكنه - فيما نحس - يقرر حقيقة . فكل خليقة من خلائق الله حية ذات روح من نوعها . وكل خليقة تعرف ربها وتسبح بحمده ؛ وتدهش حين ترى الإنسان يكفر بخالقه ، وتتغيظ لهذا الجحود المنكر الذي تنكره فطرتها وتنفر منه روحها . وهذه الحقيقة وردت في القرآن في مواضع شتى تشعر بأنها تقرر حقيقة مكنونة في كل شيء في هذا الوجود .

فقد جاء بصريح العبارة في القرآن : ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) . . وورد كذلك : ( يا جبال أوبي معه والطير ) . . وهي تعبيرات صريحة مباشرة لا مجال فيها للتأويل .

كذلك ورد( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض : ائتيا طوعا أو كرها قالتا : أتينا طائعين ) . . مما يحتمل أن يقال فيه إنه مجاز تصويري لحقيقة خضوع السماء والأرض لناموس الله . ولكن هذا التأويل لا ضرورة له . بل هو أبعد من المعنى المباشر الصريح .

ووردت صفة جهنم هذه . كما ورد في موضع آخر تعبير عن دهشة الكائنات وغيظها للشرك بربها : ( لقد جئتم شيئا إدا . تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدا ، أن دعوا للرحمن ولدا ، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) . .

وكل هذه النصوص تشير إلى حقيقة ، حقيقة إيمان الوجود كله بخالقه ، وتسبيح كل شيء بحمده . ودهشة الخلائق وارتياعها لشذوذ الإنسان حين يكفر ، ويشذ عن هذا الموكب ؛ وتحفز هذه الخلائق للانقضاض على الإنسان في غيظ وحنق ؛ كالذي يطعن في عزيز عليه كريم على نفسه ، فيغتاظ ويحنق ، ويكاد من الغيظ يتمزق . كما هو حال جهنم وهي : ( تفور . تكاد تميز من الغيظ ! ) .

كذلك نلمح هذه الظاهرة في خزنة جهنم :

( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها . ألم يأتكم نذير ? ) . .

وواضح أن هذا السؤال في هذا الموضع هو للتأنيب والترذيل . فهي مشاركة لجهنم في الغيظ والحنق . كما هي مشاركة لها في التعذيب ، وليس أمر من الترذيل والتأنيب للضائق المكروب !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

6

تميّز : ينفصل بعضها من بعض .

الغيظ : شدة الغضب .

فوج : جماعة .

خزنتها : واحدها خازن ، وهم مالك وأعوانه .

نذير : رسول ينذركم بأس الله وشديد عقابه .

8- تكاد تميّز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير .

تكاد جهنم تتقطع من الغيظ والغضب والرغبة في الانتقام ممن كفر بالله ، وجحد رسالات السماء ، وكلما ألقي في جهنم جماعة لينالوا العذاب توجّهت إليهم الزبانية بالسؤال الآتي :

ألم يأتكم رسول ينذركم مثل هذا العذاب ؟ وهو سؤال توبيخ وتحقير وإيلام ، وفي نفس الوقت إلزام الكافر بالحجّة ، واعترافه بأنه يستحق النار عدلا من الله تعالى .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

{ تكاد تميز من الغيظ } تتميز ، أي تتقطع وينفصل بعضها من بعض من شدة الغضب عليهم . والغيظ : أشد الغضب . { فوج } جماعة من الكفار .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

تكاد تميَّزُ من الغيظ : تكاد تتقطع من شدة الغضب .

فوج : جماعة .

خَزَنَتُها : واحدها خازن ، وهم الملائكة .

نذير : رسول ينذركم ويحذركم .

وأنها تكون شديدةَ الغيظ على من فيها ، وأن خَزَنَتَها من الملائكة يَسألون من يدخل فيها : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ؟ } من ربّكم ؟

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

ولما وصفها بالفوران ، بين سببه تمثيلاً لشدة{[66838]} اشتعالها عليهم فقال : { تكاد تميز } أي تقرب من{[66839]} أن ينفصل بعضها من بعض ، كما يقال : يكاد فلان ينشق من غيظه ، وفلان غضب فطارت شقه منه في الأرض وشقه في السماء - كناية عن شدة الغضب { من الغيظ } أي عليهم ، كأنه حذف إحدى التائين إشارة إلى أنه يحصل منها{[66840]} افتراق واتصال على وجه من السرعة ، لا يكاد يدرك حق الإدراك ، وذلك كله لغضب سيدها . وتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر بألف زمام ، لكل زمام سبعون ألف ملك يقودونها به ، وهي شدة الغيظ . تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة{[66841]} جميعاً وتحطم أهل المحشر ، فلا يردها عنهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، يقابلها بنوره فترجع ، مع أن لكل ملك من القوة ما لو أمر به{[66842]} أن يقتلع الأرض وما عليها من الجبال و{[66843]}يصعد بها في{[66844]} الجو فعل من غير كلفة ، وهذا كما أطفأها في الدنيا بنفخة كما رواه الجماعة إلا الترمذي وهذا لفظ أبي داود{[66845]} عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : " انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر صلاته إلى أن قال : ثم نفخ في آخر سجوده . فقال : أف أف ألم تعدني أن لا تعذبهم {[66846]}وأنا فيهم{[66847]} وهم يستغفرون " وفي رواية النسائي أنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " لقد أدنيت مني النار حتى جعلت ألفتها خشية أن تغشاكم " .

ولما ذكر سبحانه حالها ، أتبعه حالهم في تعذيب القلب باعتقادهم أنهم ظلمة على وجه ، بين السبب في عذابهم زجراً عنه فقال : { كلما } ولما{[66848]} كان المنكىء مجرد الإلقاء بني للمفعول ، دلالة على ذلك وعلى حقارتهم بسهولة إلقائهم قوله{[66849]} : { ألقي فيها } أي{[66850]} جهنم بدفع الزبانية بهم الذين هم أغيظ عليهم من النار ، { فوج } أي جماعة هم في غاية الإسراع موجفين مضطربي الأجواف من شدة السوق{[66851]} { سألهم } أي ذلك الفوج { خزنتها } أي{[66852]} النار سؤال توبيخ وتقريع وإرجاف .

ولما كان كأنه قيل : ما كان سؤالهم ؟ قال : قالوا موبخين لهم مبكتين محتجين عليهم في استحقاقهم العذاب ، زيادة في عذابهم بتعذيب أرواحهم بعد تعذيب أشباحهم : { ألم يأتكم } أي في الدنيا { نذير * } أي يخوفكم هذا العقاب ويذكركم بما حل بكم ، وبما حل ممن{[66853]} قبلكم من المثلاث ، لتكذيبهم بالآيات ، ويقرأ عليكم الكتب المنزلات .


[66838]:- زيد من ظ وم.
[66839]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[66840]:- زيد من ظ وم.
[66841]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأمته.
[66842]:- من ظ وم، وفي الأصل: ثم.
[66843]:- زيد من ظ وم.
[66844]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلى.
[66845]:- راجع السنن 1/ 176.
[66846]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66847]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66848]:- من ظ وم، وفي الأصل: كلما.
[66849]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيها.
[66850]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66851]:- من ظ وم وفي الأصل: الأسواق.
[66852]:- زيد في الأصل: خزنة، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66853]:- زيد في الأصل: أطلق و، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.