السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

{ تكاد تميز } أي : تقرب من أن ينفصل بعضها من بعض كما يقال : يكاد فلان ينشق من غيظه ، وفلان غضب فطارت شقة منه في الأرض وشقة في السماء ، كناية عن شدة الغضب . وقرأ البزي بتشديد التاء من تميز في الوصل ، والسوسي على أصله بإدغام الدال في التاء { من الغيظ } أي : عليهم ، وقال سعيد بن جبير : { تكاد تميز من الغيظ } يعني : ينقطع وينفصل بعضها من بعض ، وقال ابن عباس : تتمزق من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى ، وذلك كله لغضب سيدها . وتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر بألف زمام ، لكل زمام سبعون ألف ملك يقودونها به ، وهي من شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس ، فتقطع الأزمة جميعاً وتحطم أهل المحشر ، فلا يردها عنهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم يقابلها بنوره فترجع ، مع أن لكل ملك من القوة ما لو أمر أن يقلع الأرض وما عليها من الجبال ويصعد بها في الجو فعل من غير كلفة ، وهذا كما أطفأها في الدنيا بنفخه ، روى أبو داود عن ابن عمر أنه قال : «انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر صلاته إلى أن قال : ثم نفخ في آخر سجوده فقال : أف أف ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون » .

ولما ذكر تعالى حالها أتبعه حالهم فقال تعالى : { كلما ألقي فيها } أي : في جهنم بدفع الزبانية لهم{ فوج } أي : جماعة في غاية الإسراع ، والأفواج الجماعات في تفرقة ، ومنه قوله تعالى : { فتأتون أفواجاً } [ النبأ : 18 ] والمراد هنا بالفوج جماعة من الكفار { سألهم } أي : ذلك الفوج { خزنتها } أي : النار ، وهم مالك وأعوانه ، سؤال توبيخ وتقريع { ألم يأتكم } أي : في الدنيا { نذير } أي : رسول يخوفكم هذا اليوم حتى تحذروا . قال الزجاج : وهذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب .