اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

قوله : { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } .

قرأ العامة : «تَميَّزُ » بتاء واحدة مخففة ، والأصل «تتميَّز » بتاءين ، وهي قراءة{[57379]} طلحة .

والبزي عن ابن كثير : بتشديدها ، أدغم إحدى التاءين في الأخرى .

وهي قراءة حسنة لعدم التقاء الساكنين بخلاف قراءته { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ }[ النور : 15 ] ، و { نَاراً تلظى }[ الليل : 14 ] وبابه .

وأبو عمرو : يدغم الدَّال في التاء على أصله في المتقاربين{[57380]} .

وقرأ الضحاك{[57381]} : «تَمَايَزُ » والأصل : «تتمايزُ » بتاءين ، فحذف إحداهما .

وزيد{[57382]} بن علي : «تَمِيزُ » من «مَازَ » .

وهذا كله استعارة من قولهم : تميز فلان من الغيظ ، أي : انفصل بعضه من بعض من الغيظ ، فمن سببية ، أي : بسبب الغيظ ، ومثله في وصف كَلْب ، أنشد عروة : [ الرجز ]

4798 - . . . *** يَكَادُ أنْ يَخْرُجَ مِن إهَابِهِ{[57383]}

قال ابن الخطيب{[57384]} : ولعل سبب هذا المجاز أن دم القلب يغلي عند الغضب ، فيعظم مقداره ، فيزداد امتلاء العروق ، حتَّى تكاد تتمزَّق .

فإن قيل : النَّار ليست من الأحياء ، فكيف توصف بالغيظ ؟ .

قال ابن الخطيب : والجواب : أن البنية عندنا ليست شرطاً للحياة ، فلعل الله - تعالى - يخلق فيها وهي نار حياة ، أو يكون هذا استعارة يشبه صوت لهبها وسرعة مبادرتها بالغضبان وحركته ، أو يكون المراد الزبانية .

فصل في تفسير الآية

قال سعيد بن جبير { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } يعني تنقطع ، وينفصل بعضها من بعض{[57385]} .

وابن عباس والضحاك وابن زيد : تتفرق من الغيظ من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى{[57386]} .

قوله : { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ } . تقدم الكلام على «كُلَّمَا » . وهذه الجملة يجوز أن تكون حالاً من ضمير جهنم .

والفَوْج : الجماعة من الناس ، والأفْوَاج : الجماعات في تفرقة ، ومنه قوله تعالى : { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } والمراد هنا بالفوج جماعة من الكفار { سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا } وهم مالك ، وأعوانه سؤال توبيخ وتقريع { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } ، أي : رسول في الدنيا ينذركم هذا اليوم ، حتى تحذروا .

قال الزَّجَّاج{[57387]} : وهذا التوبيخُ زيادة لهم في العذاب .


[57379]:ينظر: المحرر الوجيز 5/339، والبحر المحيط 8/294، والدر المصون 6/342.
[57380]:ينظر: كتاب الإدغام الكبير 120.
[57381]:ينظر: القراءة السابقة.
[57382]:وهي قراءة ابن أبي عبلة في: البحر المحيط 8/294، وينظر: الدر المصون 6/342.
[57383]:ينظر شرح المفصل لابن يعيش 7/132، والدر المصون 6/343.
[57384]:ينظر الفخر الرازي 30/56.
[57385]:ينظر المصدر السابق.
[57386]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/167) عن ابن عباس والضحاك وابن زيد.
[57387]:ينظر معاني القرآن للزجاج 5/199.