في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

وفي نهاية هذا العرض لموقف إبراهيم والذين معه ، وفي استسلام إبراهيم وإنابته يعود فيقرر الأسوة ويكررها ؛ مع لمسة جديدة لقلوب المؤمنين :

( لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر . ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) . .

فالأسوة في إبراهيم والذين معه متحققة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر . وهؤلاء هم الذين يدركون قيمة التجربة التي عاناها هذا الرهط الكريم ، ويجدون فيها أسوة تتبع ، وسابقة تهدي . فمن كان يرجو الله واليوم الآخر فليتخذ منها أسوة . . وهو تلميح موح للحاضرين من المؤمنين .

فأما من يريد أن يتولى عن هذا المنهج . من يريد أن يحيد عن طريق القافلة . من يريد أن ينسلخ من هذا النسب العريق . فما بالله من حاجة إليه - سبحانه - ( فإن الله هو الغني الحميد ) . .

وتنتهي الجولة وقد عاد المؤمنون أدراجهم إلى أوائل تاريخهم المديد ، ورجعوا بذكرياتهم إلى نشأتهم في الأرض ؛ وعرفوا تجاربهم المذخورة لهم في الأجيال المتطاولة ، ورأوا القرار الذي انتهى إليه من مروا بهذه التجربة ؛ ووجدوها طريقا معبدة من قبل ليسوا هم أول السالكين فيها .

والقرآن الكريم يؤكد هذا التصور ويكرره ليتصل ركب المؤمنين ، فلا يشعر بالغربة أو الوحشة سالك - ولو كان وحده في جيل ! ولا يجد مشقة في تكليف نهض به السالكون معه في الطريق !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

4

المفردات :

يرجو الله : يؤمل ثوابه .

واليوم الآخر : مجيئه ، والجزاء فيه .

ومن يتولّ : يعرض عن النصيحة .

التفسير :

5- { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } .

أقسم لقد كان لكم – أيها المؤمنون – في إبراهيم ومن معه أسوة وقدوة حسنة ، ونموذج يتّبع ، لمن كان يرجو فضل الله وثوابه ، ويخاف عقابه في اليوم الآخر .

ومن يُعرض عن الإيمان بالله واتّباع أمره ، فإن الله غني عنه وعن أمثاله ، وعن الخلق أجمعين ، وهو المحمود في ذاته وصفاته .

قال تعالى : { إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد } . ( إبراهيم : 8 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

ومن يتولّ : ومن يعرِض .

ثم كرر ما تقدّم للاقتداء بإبراهيم عليه السلام ومن معه فقال :

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر } لقد كان لكم أيها المؤمنون ، في إبراهيمَ والذين معه قدوةٌ حسنة في معاداتكم لأعداء الله ، وهذه القدوةُ لمن كان يرجو لقاء الله في اليوم الآخر .

{ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد }ومن يعرض عن هذا الاقتداء فقد ظلم نفسه ، والله غنيّ عن إيمانه ، بل عن جميع خلقه ، محمود بأياديه وآلائه .

قراءات :

قرأ الجمهور : إسوة بكسر الهمزة . وقرأ عاصم : أسوة بضم الهمزة وهما لغتان

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وقوله: {قد كان لكم فيهم} يعني في إبراهيم والذين معه، {أسوة حسنة} في الاقتداء بهم، {لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر} يقول لمن كان يخشى الله، ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال.

{ومن يتول} يقول ومن يعرض عن الحق، {فإن الله هو الغني} عن عباده {الحميد} في سلطانه عنه خلقه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} يقول تعالى ذكره لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة في الذين ذكرهم إبراهيم والذين معه من الأنبياء صلوات الله عليهم والرسل، {لِمَنْ كانَ يَرْجُو اللّهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ} يقول: لمن كان منكم يرجو لقاء الله، وثواب الله، والنجاة في اليوم الاَخر.

وقوله: {وَمَنْ يَتَوَلّ فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ} يقول تعالى ذكره: ومن يتول عما أمره الله به وندبه إليه منكم ومن غيركم، فأعرض عنه وأدبر مستكبرا، ووالى أعداء الله، وألقى أليهم بالمودّة، فإن الله هو الغنيّ عن إيمانه به، وطاعته إياه، وعن جميع خلقه، الحميد عند أهل المعرفة بأياديه، وآلائه عندهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر} أي لمن يؤمن بالبعث، وذلك أن الله تعالى وصف أمر البعث في كتابه بصفات مختلفة: مرة أضافه إلى نفسه بقوله: {فمن كان يرجوا لقاء ربه} [الكهف: 110] وكان المعنى منه البعث، ومرة وصفه بصفة أخرى وإن كان المراد الثواب، ففيه أن الراجي في الحقيقة، هو الطالب لما يرجوه بالأسباب التي يرجو الوصول بها إلى ما دعي، وأرجي. والخائف في الحقيقة، هو الهارب عما حذر، والمنتهى عما نهي عنه، وحظر. فإن من اعتمد على مجرد الرجاء والخوف دون التمسك بسببها فهو متمنّ على الله تعالى: والدليل على تأييد ما نقول قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله} [البقرة: 218] أفلا تراه كيف حقق معنى الرجاء بالمجاهدة في سبيل الله والعمل بطاعته، والله اعلم. وإن كان [معتمدا] على البعث فكذلك أيضا لأنه إذا هرب عما نهي عنه، وطلب لما أمر به، فقد تبين أن يوالي من يقضي موالاته إلى ثواب الله ورحمته وأنه يعادي من يقضي عاقبة موالاته إلى نقمة الله وعذابه. وقوله تعالى: {ومن يتول} يعني من يتول عن طاعة الله في ما أمره من الاقتداء بهم {فإن الله هو الغني الحميد} يعني {الغني} عن طاعة الخلق ليعلم أنه ما أمرهم به لم يأمرهم لحاجة له في طاعتهم أو لمنفعة ترجع إليه، بل هو {الغني} عن كل ذلك. وإنما أمرهم لحاجتهم إلى ذلك ولما علم أن منافع طاعتهم ترجع إليهم خاصة. وقوله تعالى: {الحميد} له معنيان... معنى الحامد ومعنى المحمود. فإن كان المراد منه المحمود ففيه أن الله تعالى يستحق الحمد من خلقه بما أنعم عليهم. وإن كان المراد الحامد فمعناه أن الله يحمد الخلق، ويشكرهم حين يجزيهم بالكثير من الثواب عن القليل من الأعمال، أو يثني عليهم بأعمالهم، فهو حميد من هذين المعنيين.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة} أي في إبراهيم والذين معه، وهذا هو الحث عن الائتساء بإبراهيم وقومه، قال ابن عباس: كانوا يبغضون من خالف الله ويحبون من أحب الله {ومن يتول} أي يعرض عن الائتساء بهم ويميل إلى مودة الكفار {فإن الله هو الغنى} عن مخالفة أعدائه

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لقد كان لكم} أي أيها الذين ادعوا الإيمان، وقدم الظرف بياناً للاهتمام به فقال: {فيهم} أي إبراهيم عليه السلام ومن معه {أسوة حسنة} وأبدل من {لكم} ما هو الفيصل في الدلالة على الباطل، فقال مشيراً إلى أن من لم يتأس بهم في هذا لم يكن راجياً لما ذكر: {لمن كان} أي جبل على أنه {يرجوا الله} أي الملك المحيط بجميع صفات الكمال فهو ذو الجلال الذي يجير ولا يجار عليه، والإكرام الذي هو جدير بأن يعطى جميع ما يسأله {واليوم الآخر} الذي يحاسب على، النقير والقطمير، ولا تخفى عليه خافية، فمن لم يتأس بهم كان تركه للتأسي دليلاً على سوء عقيدته، فلا يلومن إلا نفسه...

{ومن يتول} أي يوقع الإعراض عن أوامر الله تعالى في وقت من الأوقات مطلقاً لكونه أخلد إلى الدنيا ولم ير اليوم الآخرة أعرض الله عنه، وأشار بصيغة التفعل إلى أن ذلك لا يقع إلا بمعالجة الفطرة الأولى، وأكد لأن فاعل ذلك كالمنكر لمضمون الكلام فقال: {فإن الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة {هو} أي خاصة {الغني} أي عن كل شيء {الحميد} أي الذي له الحمد المحيط لإحاطته بأوصاف الكمال في حال الطاعة له والمعصية فإن العاصي عبد لإرادته، كما أن المطيع عبد لآمره وإرادته ولطفه، فلا يخرج شيء عن مراده، وكل شيء خاضع لحكمه، وقد بينت الآية أدب العشرة لما ألهبت وهيجت على المفارقة للعصاة والتبرء منهم حساً ومعنى، وإظهار ذلك لهم قولاً وفعلاً، إلى أن تحصل التوبة، ومن لم يفعل ذلك كان شريكاً في الفعل فيكون شريكاً في الجزاء...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فالأسوة في إبراهيم والذين معه متحققة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. وهؤلاء هم الذين يدركون قيمة التجربة التي عاناها هذا الرهط الكريم، ويجدون فيها أسوة تتبع، وسابقة تهدي. فمن كان يرجو الله واليوم الآخر فليتخذ منها أسوة.. وهو تلميح موح للحاضرين من المؤمنين. فأما من يريد أن يتولى عن هذا المنهج. من يريد أن يحيد عن طريق القافلة. من يريد أن ينسلخ من هذا النسب العريق. فما بالله من حاجة إليه -سبحانه- (فإن الله هو الغني الحميد)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تكرير قوله آنفاً {قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم} [الممتحنة: 4] الخ، أعيد لتأكيد التحريض والحث على عدم إضاعة الائتساء بهم، وليبني عليه قوله لمن كان يرجو الله واليوم الآخر الخ. وقُرن هذا التأكيد بلام القسم مبالغة في التأكيد...

{لكم} وهو شامل لجميع المخاطبين، لأن المخاطبين بضمير {لكم} المؤمنون في قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} [الممتحنة: 1] فليس ذكر {لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} تخصيصاً لبعض المؤمنين ولكنه ذكر للتذكير بأن الإِيمان بالله واليوم الآخر يقتضي تأسيَهم بالمؤمنين السابقين وهم إبراهيم والذين معه. وأعيد حرف الجر العامل في المبدل منه لتأكيد أن الإِيمان يستلزم ذلك.والقصد هو زيادة الحث على الائتساء بإبراهيم ومن معه، وليرتب عليه قوله: {ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد}، وهذا تحذير من العود لما نُهوا عنه. وإتْباع {الغني} بوصف {الحميد} تتميم، أي الحميد لمن يمتثل أمره ولا يعرض عنه أو {الحميد} لمن لا يتخذ عدوه ولياً على نحو قوله تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} [الزمر: 7].

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لقد كانوا لنا أسوة، ليس فقط في موقفهم ضدّ منهج الكفر وعبدة الأوثان، بل هم أسوة لنا في الدعاء بين يدي البارئ عزّ وجلّ، وقدوة لنا في طلب المغفرة منه كما استعرضت الآيات السابقة نماذج في ذلك. إنّ هذا الاقتداء في حقيقته يتمثّل في الذين تعلّقوا بالله سبحانه، ونوّر الإيمان بالمبدأ والمعاد قلوبهم، ونهجوا منهج الحقّ وتحرّكوا في طريقه.. وبدون شكّ فإنّ هذا التأسّي والاقتداء يرجع نفعه إلى المسلمين أنفسهم قبل الآخرين، لذا يضيف سبحانه في النهاية قوله: (ومن يتولّ فإنّ الله هو الغني الحميد). وذلك أنّ عقد الولاء مع أعداء الله يقوّي عودهم وشوكتهم وبالتالي إلى هزيمة المسلمين، وإذا تسلّطوا عليكم فسوف لن يرحموا صغيركم وكبيركم. الله غني عن الجميع: أكّد القرآن الكريم مراراً على نقطة مهمّة، وهي أنّ الله تعالى إذا أمر الإنسان بالالتزام بأحكام ـ وتكاليف معيّنة، فإنّ جميع منافعها تعود بالخير والمصلحة عليه، بالرغم من المشقّة أحياناً في تطبيق هذه الأحكام والتكاليف. ذلك لأنّ الله تعالى ليس محتاجاً لأي شيء في عالم الوجود ليستعين بنا عليه، كما أنّه ليس لديه أي نقص في أي شيء، إضافة إلى أنّ الإنسان لا يملك شيئاً ليعطيه. بل كلّ ما لديه فهو لله تعالى...

الأصل في العلاقات الرسالية: الحبّ في الله والبغض في الله؛ إنّ أعمق رابطة تربط أبناء البشرية مع بعضهم هي الرابطة العقائدية، حيث تبتني عليها سائر العلاقات الأخرى. ولقد أكّد القرآن الكريم مراراً على هذا المعنى وهذا اللون من الارتباطات، وشجب صور الروابط القائمة على أساس الصداقة والحميّة الجاهلية والمنافع الشخصية التي تكون على حساب مرتكزات المبدأ، إذ أنّ ذلك يعني الاهتزاز والتصدّع في بناء الشخصية الرسالية.. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ المعيار الأساس للإنسان هو الإيمان والتقوى، ولذا فإنّ إقامة العلاقات مع الأشخاص الذين يفقدون هذه المقوّمات أمر لا يقدم عليه الإنسان الملتزم ويحذّر من الوقوع في شراكه، ولابدّ من الرجوع إلى المعيار الإيماني في إقامة العلاقات وفق منهج الإسلام، وجعل العلاقة مع الله والموقف من الله هو الحكم والفصل في طبيعة هذه العلاقة.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

{ لقد كان لكم فيهم } في ابراهيم والذين معه ، { أسوة حسنة } تقتدون بهم فتفعلون من البراءة من الكفار كما فعلوا وتقولون كما قالوا مما أخبر عنهم ثم بين أن هذا الاقتداء بهم ، { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } ، { ومن يتول } عن الحق ووالى الكفار ، { فإن الله هو الغني الحميد } .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

قوله تعالى : { لقد كان لكم فيهم } أي في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء . { أسوة حسنة } أي في التبرؤ من الكفار ، وقيل : كرر للتأكيد . وقيل : نزل الثاني بعد الأول بمدة ، وما أكثر المكررات في القرآن على هذا الوجه . { ومن يتول } أي عن الإسلام وقبول هذه المواعظ { فإن الله هو الغني } أي لم يتعبدهم لحاجته إليهم ، { الحميد } في نفسه وصفاته .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (6)

ولما أتم ما حثهم على التأسي فيه بذكر أعظم آبائهم لأن دواعي الإنسان إلى المداراة عما يخاف عليه من أقاربه وآله وجميع أحواله{[64534]} عظيمة جداً إن كان المدارأ عظيماً لا سيما إن كان قد تقدم له صداقة وبه ألفة ، فكان جديراً بعد الوعظ والتأسية أن{[64535]} يبقى عنده بقايا ولا سيما والناس متفاوتون ، منهم من يرده أيسر وعظ ومنهم من يحتاج إلى أكثر من ذلك أعاد التأسية تأكيداً لها على وجه بلغ الذروة من جمال{[64536]} الترغيب وجلال الترهيب ، وليكون فيها أتم دلالة على أن ما بينهما من قول إبراهيم عليه السلام المأمور بالتأسي به من الدعاء وغيره إلا ما استثنى لتشتد الرغبة فيه ، فقال مصدراً بما دل على القسم إشارة إلى أن من فعل غير هذا كان فعله فعل منكر{[64537]} لحسن هذا التأسي ، ولذلك ذكر الفعل الذي أنثه في الأول : { لقد كان لكم } أي أيها الذين ادعوا الإيمان ، وقدم الظرف{[64538]} بياناً للاهتمام به{[64539]} فقال : { فيهم } أي إبراهيم عليه السلام ومن معه { أسوة حسنة } وأبدل من { لكم } ما هو الفيصل في الدلالة على الباطل ، فقال مشيراً إلى أن من لم يتأس بهم في هذا لم يكن راجياً لما ذكر : { لمن كان } أي جبل على أنه { يرجوا الله } أي الملك المحيط بجميع صفات الكمال فهو ذو الجلال الذي يجير ولا يجار عليه ، والإكرام الذي هو جدير بأن يعطى جميع ما يسأله { واليوم الآخر } الذي يحاسب على ، النقير والقطمير ، ولا تخفى عليه خافية ، فمن لم يتأس {[64540]}بهم{[64541]} كان تركه للتأسي دليلاً على سوء عقيدته ، فلا يلومن{[64542]} إلا نفسه ، فقد أذن لإمام المسلمين إن عثر عليه في عقوبته ، فإن علم الغيب الذي أعلمناه{[64543]} نبينا صلى الله عليه وسلم بأن حاطباً رضي الله عنه صحيح العقيدة{[64544]} غير متأهل للعقوبة منقطع بموته صلى الله عليه وسلم ولا يبقى إلى ما نصبناه من الشعائر ، وأقمناه من الدلائل .

ولما كان التقدير : فمن أقبل على هذا التأسي لكونه يرجو الله واليوم الآخر فلم يخلد إلى الدنيا ، يتوله الله فإن الله{[64545]} رحيم ودود ، عطف عليه قوله : { ومن يتول } أي يوقع الإعراض عن أوامر الله تعالى في وقت من الأوقات مطلقاً لكونه أخلد إلى الدنيا{[64546]} ولم ير اليوم الآخرة أعرض الله عنه ، وأشار بصيغة التفعل إلى أن ذلك لا يقع إلا بمعالجة الفطرة الأولى ، وأكد لأن فاعل ذلك كالمنكر لمضمون{[64547]} الكلام فقال : { فإن الله } أي الذي له الإحاطة الكاملة{[64548]} { هو } أي خاصة { الغني } أي عن كل شيء { الحميد * } أي{[64549]} الذي له الحمد المحيط لإحاطته بأوصاف الكمال في حال الطاعة له والمعصية فإن العاصي عبد لإرادته ، كما أن المطيع عبد لآمره وإرادته ولطفه ، فلا يخرج شيء عن مراده ، وكل شيء خاضع لحكمه ، وقد بينت الآية أدب العشرة لما ألهبت وهيجت على المفارقة للعصاة والتبرء منهم حساً ومعنى ، وإظهار ذلك لهم قولاً وفعلاً ، إلى أن{[64550]} تحصل التوبة ، ومن لم يفعل ذلك كان شريكاً في الفعل فيكون شريكاً في الجزاء كما ورد ، ثم لا{[64551]} يمنعه ذلك أن يكون أكيله وجليسه ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على ألسنة الأنبياء ، ومن فعل ما أمره{[64552]} الله به كان فعله جديراً بأن يكون سبب الوصله والقرب والمودة ، فالآية{[64553]} من الاحتباك : ذكر الرجاء أولاً دليلاً على ضده ثانياً ، والتولي ثانياً دليلاً على ضده أولاً ، وسره أنه ذكر سبب السعادة ترغيباً وسبب الشقاوة ترهيباً .


[64534]:- في ظ: إخوانه.
[64535]:- من م، وفي الأصل وظ: بان.
[64536]:- من ظ وم، وفي الأصل: كمال.
[64537]:- من ظ وم، وفي الأصل: المنكر.
[64538]:- من ظ وم، وفي الأصل: اهتماما به وبيانا.
[64539]:- من ظ وم، وفي الأصل: اهتماما به وبيانا.
[64540]:- في ظ وم: لم يانس.
[64541]:- من ظ وم، وفي الأصل: به.
[64542]:- من ظ وم، وفي الأصل: فلا يكون من.
[64543]:- من ظ وم، وفي الأصل: علمناه.
[64544]:- من ظ وم، وفي الأصل: العقوبة.
[64545]:-زيد في الأصل: غفور، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64546]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأرض.
[64547]:- من ظ وم وفي الأصل: لمفهوم.
[64548]:- زيد من م.
[64549]:- زيد من م.
[64550]:- زيد من ظ وم.
[64551]:- زيد من ظ وم.
[64552]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمر.
[64553]:- من ظ وم، وفي الأصل: والآية.