في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

1

ثم يتابع بيان الحكم فيه :

فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا . فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) . . .

ثم التعقيب للبيان والتوجيه :

( ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله ) . . . وهم مؤمنون . . ولكن هذا البيان ، وهذه الكفارات وما فيها من ربط أحوالهم بأمر الله وقضائه . . ذلك مما يحقق الإيمان ، ويربط به الحياة ؛ ويجعل له سلطانا بارزا في واقع الحياة . ( وتلك حدود الله ) . . أقامها ليقف الناس عندها لا يتعدونها . وهو يغضب على من لا يرعاها ولا يتحرج دونها : ( وللكافرين عذاب أليم ) . . بتعديهم وتحديهم وعدم إيمانهم وعدم وقوفهم عند حدود الله كالمؤمنين . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

1

المفردات :

ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله : ذلك التغليظ في الكفارة لكي تعلموا بشرائع الله التي شرعها ، فلا تعودوا إلى الظهار الذي هو من شرائع الجاهلية .

حدود الله : أحكام شريعته التي لا يحل تركها .

للكافرين : الذين يتعدون الأحكام ولا يعملون بها .

التفسير

4- { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

تفيد الآيات ما يأتي :

من قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، ثم ندم ورغب في الرجوع إلى الحياة الزوجية مع زوجته ، فعليه كفارة بفعل واحدة من ثلاث على الترتيب :

أولا : عتق رقبة ، فإن عجز عن ذلك – كما في هذه الأيام لعدم وجود أرقاء أصلا – انتقل إلى الكفارات الأخرى .

ثانيا : صيام ستين يوما متتابعة من قبل أن يجامع زوجته .

ثالثا : إذا عجز عن الصيام ، فإنه يطعم ستين مسكينا طعاما مشبعا كافيا .

وهذه الأمور على الترتيب ، فلا يلجأ إلى الصيام إلا عند العجز عن عتق رقبة ، ولا يلجأ إلى الإطعام إلا عند العجز عن صيام ستين يوما متتابعة ، فإذا عجز عن الصيام أطعم ستين مسكينا إطعاما مشبعا .

وذهب الشافعي وغيره إلى أنه يكفيه إعطاء مد واحد لكل مسكين ، ورأى أبو حنيفة جواز إعطاء مد واحد لكل مسكين ، ورأى أبو حنيفة جوز إعطاء القيمة ، بل هي أفضل إذا كانت أنفع للفقير .

ويمكن تقدير قيمة إطعام الفقراء التي قدرها العلماء بخمسة جنيهات عن كل فرد في شهر رمضان سنة 1421 ه ، فنقول : يعطي لستين مسكينا ، كل مسكين منهم خمسة جنيهات ، أو ما يعادلها ، فمن تطوع خيرا فهو خير له ، بأن يضاعف القيمة إذا كان من أهل اليسر ، فيعطي لكل مسكين 10 جنيهات*60=600 جنيه ( ستمائة جنيه ) ، مقدار الكفارة للمظاهر من زوجته .

{ ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

لقد شددنا العقوبة حتى يرتدع المتلاعبون بحرمات الله ، وتكون هذه العقوبة رادعا للمعتدين ، ليعودوا إلى طريق الإيمان بالله ورسوله ، واحترام أوامر الشرع ، والالتزام بآداب الدين ، وهذه حدود الله وأحكامه الفاصلة بين الحق والباطل ، فالزموها وقفوا عندها ، ومن استهان بحدود الله ، وصد عن شرائعه ، وكفر بهديه ، فله عذاب أليم موجع في الآخرة .

وإطلاق لفظ الكافرين على المتعدي على حدود الله للزجر والردع .

كما قال سبحانه وتعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين . ( آل عمران : 97 ) .

في أعقاب الآيات

في هذه الآيات الكريمة تكريم المرأة ، ورفع لغبن الجاهلية عنها ، حيث نهى القرآن عن الظهار واعتبره منكرا وزورا ، ثم سجل عقوبة كبيرة على قائله ، ليرده إلى حظيرة الإيمان ، ولم تكن الآيات أحكاما شرعية فحسب ، وإنما ضمت إلى ذلك تكريم المرأة وإنصافها ، واستجابة السماء لها ، ولا عجب إذ رأينا الخلفاء يكرمون المرأة ، ويستمعون لشئونها ويلبون طلبها ، ويكرمون خولة بنت ثعلبة ، ويقولون : قد سمع الله تعالى لها .

من التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ، وتفسير ابن كثير :

روى ابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات : أن خولة بنت ثعلبة رأت عمر رضي الله عنه وهو يسير مع الناس ، فاستوقفته ، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها ووضع يده على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، حبست رجال قريش على هذه العجوز ، قال : ويحك ، أتدري من هذه ؟ قال : لا ، قال : هذه امرأة سمع الله لشكواها من فوق سبع سماوات ، هذه خولة بنت ثعلبة ، والله لو لم تنصرف حتى أتى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها . v

وفي رواية أخرى : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والناس معه على حمار ، فاستوقفته طويلا ووعظته ، وقالت : يا عمر ، قد كنت تدعى عميرا ، ثم قيل لك : عمر ، ثم قيل لك : يا أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب – وهو واقف يسمع كلامها – فقيل له : يا أمير المؤمنين ، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لازلت إلى الصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة ، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ vi

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

حدود الله : شريعته وأحكامه .

فالذي لا يستطيع أن يعتق عبداً عليه أن يصوم شهرين متتابعين من قبلِ أن يمسّ زوجته .

3- { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } .

فمن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين لعذرٍ شرعي ، فعليه أن يطعمَ ستين مسكيناً من الطعام المتعارف عليه .

ذلك الذي بينّاه وشرعناه لتؤمنوا بالله ورسوله ، وتعملوا بما شرعنا لكم . وهذا تسهيل من الله على عباده ولطفِهِ بهم ، وتلك حدود الله فلا تتجاوزوها { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وفي هذا تهديد كبير .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

{ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ } رقبة يعتقها ، بأن لم يجدها أو [ لم ] يجد ثمنها { ف } عليه { صيام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ } الصيام { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } إما بأن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم ، كما هو قول كثير من المفسرين ، وإما بأن يطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره مما يجزي في الفطرة ، كما هو قول طائفة أخرى .

ذلك الحكم الذي بيناه لكم ، ووضحناه لكم { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } وذلك بالتزام هذا الحكم وغيره من الأحكام ، والعمل به ، فإن التزام أحكام الله ، والعمل بها من الإيمان ، [ بل هي المقصودة ] ومما يزيد به الإيمان{[1006]}  ويكمل وينمو .

{ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } التي تمنع من الوقوع فيها ، فيجب أن لا تتعدى ولا يقصر عنها .

{ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وفي هذه الآيات ، عدة أحكام :

منها : لطف الله بعباده واعتناؤه بهم ، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة ، وأزالها ورفع عنها البلوى ، بل رفع البلوى بحكمه العام لكل من ابتلي بمثل هذه القضية .

ومنها : أن الظهار مختص بتحريم الزوجة ، لأن الله قال { مِنْ نِسَائِهِمْ } فلو حرم أمته ، لم يكن [ ذلك ] ظهارا ، بل هو من جنس تحريم الطعام والشراب ، تجب فيه كفارة اليمين فقط .

ومنها : أنه لا يصلح الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها ، لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار ، كما لا يصح طلاقها ، سواء نجز ذلك أو علقه .

ومنها : أن الظهار محرم ، لأن الله سماه منكرا [ من القول ] وزورا .

ومنها : تنبيه الله على وجه الحكم وحكمته ، لأن الله تعالى قال : { مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } .

ومنها : أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويسميها{[1007]}  باسم محارمه ، كقوله { يا أمي } { يا أختي } ونحوه ، لأن ذلك يشبه المحرم .

ومنها : أن الكفارة إنما تجب بالعود لما قال المظاهر ، على اختلاف القولين السابقين لا بمجرد الظهار .

ومنها : أنه يجزئ في كفارة الرقبة ، الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، لإطلاق الآية في ذلك .

ومنها : أنه يجب إخراجها{[1008]} إن  كانت عتقا أو صياما قبل المسيس ، كما قيده الله ، بخلاف كفارة الإطعام ، فإنه يجوز المسيس والوطء في أثنائها .

ومنها : أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس ، أن ذلك أدعى لإخراجها ، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع ، وعلم أنه لا يمكن من ذلك إلا بعد الكفارة ، بادر لإخراجها .

ومنها : أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا ، فلو جمع طعام ستين مسكينا ، ودفعها لواحد أو أكثر من ذلك ، دون الستين لم يجز ذلك ، لأن الله قال : { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } .


[1006]:- في ب: ويزداد به الإيمان.
[1007]:- في ب: ويدعوها
[1008]:- في ب: إذا.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

قوله تعالى : { فمن لم يجد } يعني الرقبة ، { فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } فإن كانت له رقبة إلا أنه محتاج إلى خدمته ، أو له ثمن رقبة لكنه محتاج إليه لنفقته ونفقة عياله فله أن ينتقل إلى الصوم ، وقال مالك والأوزاعي : يلزمه الإعتاق إذا كان واجداً للرقبة أو ثمنها وإن كان محتاجاً إليه . وقال أبو حنيفة : إن كان واجداً لعين الرقبة يجب عليه إعتاقها ، وإن كان محتاجاً إليها ، فأما إذا كان واجداً لثمن الرقبة وهو محتاج إليه فله أن يصوم ، فلو شرع المظاهر في صوم شهرين ثم جامع في خلال الشهر بالليل يعصي الله تعالى بتقديم الجماع على الكفارة ، ولكن لا يجب عليه استئناف الشهرين ، وعند أبي حنيفة يجب عليه استئناف الشهرين . قوله عز وجل : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } يعني المظاهر إذا لم يستطع الصوم لمرض أو كبر أو فرط شهوة لا يصبر عن الجماع يجب عليه إطعام ستين مسكيناً .

أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشمهيني حدثنا علي بن حجر ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة ، عن عطاء بن يسار " أن خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت ، فظاهر منها وكان به لمم ، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أوساً ظاهر مني ، وذكرت أن به لمماً فقالت : والذي بعثك بالحق ما جئتك إلا رحمة إن له في منافع ، فأنزل الله القرآن فيهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مريه فليعتق رقبة ، قالت : والذي بعثك بالحق ما عنده رقبة ولا ثمنها ، قال : مريه فليصم شهرين متتابعين ، فقالت : والذي بعثك بالحق لو كلفته ثلاثة أيام ما استطاع ، قال : مريه فليطعم ستين مسكيناً ، قالت : والذي بعثك بالحق ما يقدر عليه ، قال : مريه فليذهب إلى فلان بن فلان فقد أخبرني أن عنده شطر تمر صدقةً ، فليأخذه صدقة عليه ثم ليتصدق به على ستين مسكينا " . وروى سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال : " كنت امرأ أصيب من النساء ما لم يصب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان ، فبينما هي تحدثني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن وقعت عليها ، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : أنت بذاك ، فقلت : أنا بذاك -قاله ثلاثاً- قلت : أنا بذاك وها أنا ذا فأمض في حكم الله ، فإني صابر لذلك ، قال : فاعتق رقبة . فضربت صفحة عنقي بيدي فقلت : لا والذي بعثك بالحق ما أملك غيرها ، قال : فصم شهرين متتابعين ، فقلت : يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا من الصيام ؟ قال : فأطعم ستين مسكيناً ، قلت : والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشيا ، ما لنا عشيا ، قال : اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك ، فأطعم عنك منها وسقاً ستين مسكيناً ، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك . قال : فرجعت إلى قومي فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة ، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي ، قال : فدفعوها إليه " . { ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله } لتصدقوا ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل ، { وتلك حدود الله } يعني ما وصف من الكفارات في الظهار ، { وللكافرين عذاب أليم } قال ابن عباس : لمن جحده وكذب به .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

{ فمن لم يجد } الرقبة لفقرة { فصيام شهرين متتابعين } لو أفطر فيما بين ذلك بطل التتابع ويجب عليه الاستئناف { فمن لم يستطع } ذلك لمرض أو لخوف مشقة عظيمة { فإطعام ستين مسكينا } لكل مسكين مد من غالب القوت { ذلك } أي الفرض الذي وصفنا { لتؤمنوا بالله ورسوله } لتصدقوا ما أتى به الرسول عليه السلام وتصدقوا أن الله تعالى به أمر { وتلك حدود الله } يعني ما وصف في الظهار والكفارة { وللكافرين } لمن لم يصدق به { عذاب أليم } .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

ولما كانت الكفارة مرتبة ، وكان المظاهر كأنه قد قتل نفسه بقتل المظاهر عنها كما مضى ، فكان مفتقراً إلى ما يحيي{[63120]} نفسه فشرع له العتق الذي هو كالإحياء ، شرع له عند العجز عنه ما يميت نفسه التي{[63121]} إماتتها له إحياؤها ، وكان الشهران نصف المدة التي ينفخ فيها الروح ، فكان صومها كنصف قتل النفس التي قتلها إحياء الروح وإنعاش العقل ، فكان كأنه إماتتها{[63122]} فجعله سبحانه بدلاً عن القتل الذي هو كالإحياء فقال : { فمن لم يجد } أي الرقبة المأمور بها بأن{[63123]} كان فقيراً ، فإن كان غنياً وماله غائب فهو واجد { فصيام } أي فعليه صيام { شهرين } . ولما كان المراد كسر النفس كما مضى ، وكانت المتابعة أنكى ولذلك{[63124]} سمي رمضان شهر الصبر ، قيد بقوله : { متتابعين } أي على أكمل وجوه التتابع على حسب الإمكان بما أشار إليه الإظهار ، فلو قطع التتابع بشيء ما ولو كان بنسيان النية وجب عليه الاستئناف والإغماء لا يقطع التتابع لأنه ليس في الوسع وكذا{[63125]} الإفطار بحيض أو نفاس أو جنون بخلاف الإفطار بسفر أو مرض{[63126]} أو خوف{[63127]} على حمل أو رضيع لأن الحيض معلوم فهو مستثنى شرعاً ، وغيره مغيب للعقل{[63128]} - مزيل للتكليف ، وأما المرض ونحوه ففيه تعمد الإفطار مع وجود العقل .

ولما كان الإمساك عن المسيس قد يكون أوسع من الشهرين ، أدخل الجار فقال : { من قبل } وحل المصدر إفادة{[63129]} لمن يكون بعد المظاهرة فقال : { أن يتماسا } فإن جامع ليلاً عصى ولم ينقطع التتابع . ولما كان إطعام نفس قوت نصف يوم كإماتة نفسه بالصيام يوماً قال تعالى : { فمن لم يستطع } أي يقدر على الصيام قدرة تامة - بما أشار إليه إظهار التاء لهرم أو مرض أو شبق مفرط يهيجه{[63130]} الصوم { فإطعام } أي فعليه إطعام { ستين مسكيناً } لكل مسكين ما يقوته نصف يوم ، وهو مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك نحو نصف قدح بالمصري ، وهو ملء حفنتين بكفي معتدل الخلق{[63131]} من غالب قوت البلد ، وهو كما في الفطرة سواء ، وحذف قيد المماسة لذكره في الأولين ، ولعل الحكمة في تخصيص هذا به أن ذكره في أول الخصال لا بد منه ، وإعادته{[63132]} في الثاني لطول مدته فالصبر عنه فيها{[63133]} مشقة ، وهذا يمكن أن يفعل في لحظة لطيفة لا مشقة للصبر فيها عن المماسة ، هذا إذا عاد ، فإن وصل الظهار بالطلاق أو مات أحدهما في الحال قبل إمكان الطلاق فلا كفارة ، قال البغوي{[63134]} : لأن العود{[63135]} في القول{[63136]} هو المخالفة ، وفسر ابن عباس رضي الله عنهما العود بالندم فقال : يندمون ويرجعون إلى الألفة ، وهذا يدل على ما قال الشافعي رضي الله عنه : فإن ظاهر عن{[63137]} الرجعية انعقد ظهاره{[63138]} فإن راجعها لزمته الكفارة لأن الرجعة عود .

ولما ذكر الحكم ، بين علته ترغيباً فيه فقال : { ذلك } أي الترخيص العظيم لكم والرفق بكم والبيان الشافي {[63139]}من أمر{[63140]} الله الذي هو موافق للحنيفية السمحة ملة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان { لتؤمنوا } أي{[63141]} وهذا الفعل العظيم الشاق ليتجدد إيمانكم ويتحقق وجوده { بالله } أي الملك الذي لا أمر لأحد معه فتطيعوه بالانسلاخ من فعل الجاهلية { ورسوله } الذي تعظيمه من تعظيمه وقد بعث بملة أبيه{[63142]} إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، فلو ترك هذا الحكم الشديد على ما كان عليه في الجاهلية لكان مشككاً في البعث بتلك الملة السمحة .

ولما رغب في هذا الحكم ، رهب من التهاون به فقال : { وتلك } أي{[63143]} هذه الأفعال المزكية وكل ما سلف من أمثالها في هذا الكتاب الأعظم { حدود الله } أي أوامر الملك الأعظم ونواهيه وأحكامه{[63144]} التي يجب امتثالها والتقيد بها لترعى حق رعايتها فالتزموها{[63145]} وقفوا عندها ولا تعتدوها{[63146]} فإنه لا يطاق انتقامه إذا تعدى نقضه أو{[63147]} إبرامه ، ولما كان التقدير : فللمؤمنين بها جنات النعيم ، عطف عليه قوله { وللكافرين } أي العريقين في الكفر بها{[63148]} أو بشيء من شرائعه { عذاب أليم * } بما آلموا المؤمنين به من الاعتداء .


[63120]:- زيد في الأصل: به، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[63121]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذي.
[63122]:- من ظ وم ، وفي الأصل: أماتها.
[63123]:- من م، وفي الأصل وط: أن.
[63124]:- زيد في الأصل: شهر رمضان.
[63125]:- من ظ و م، وفي الأصل: كذلك.
[63126]:- من ظ وم، وفي الأصل: خوف أو مرض أو خوف.
[63127]:- زيد في الأصل: شهر رمضان.
[63128]:- زيد من ظ و م.
[63129]:- من ظ و م، وفي الأصل: إعادة.
[63130]:- من م، وفي الأصل وظ: وهيجه.
[63131]:- من م، وفي الأصل و ظ: الخلقة.
[63132]:- من ظ وم، وفي الأصل: إعتاقه.
[63133]:- في ظ: فيه.
[63134]:- راجع المعالم بهامش اللباب 7/ 38.
[63135]:- في المعالم: للقول.
[63136]:- في المعالم: للقول.
[63137]:- زيد من المعالم.
[63138]:- من ظ وم، وفي الأصل: ظاهرة.
[63139]:- من ظ وم ، وفي الأصل: لأمر.
[63140]:- من ظ وم ، وفي الأصل: لأمر.
[63141]:- زيد من ظ وم.
[63142]:-زيد من ظ و م.
[63143]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ و م فحذفناها.
[63144]:-من ظ وم، وفي الأصل: أحكامها.
[63145]:- من ظ وم، وفي الأصل: فالتزموا.
[63146]:- من ظ و م، وفي الأصل: ولا تتعدوها.
[63147]:- من ظ وم، وفي الأصل "و".
[63148]:- زيد من م.